صاحبى اللى كتفه فى كتفى بيخلينى متطمن
عارفه هيفضل جنبى مهما لقانى باتجنن
ومش من دمى ولا اخويا ولا عمى
لكِنُه اختار يكون جَنبى
هذه السطور هى بالطبع الفقرة المصاحبة لمقطع الألتراس فى الأغنية المصورة الرائعة «عشان لازم نكون مع بعض» التى أخرجها المخرج المتميز أحمد عبدالله (صاحب أفلام هليوبوليس وميكروفون). اكتسبت الأغنية التى انتجت فى الأصل كإعلان لشركة اتصالات موبينيل شعبية كبيرة واستقلت بذاتها كعمل فنى متميز حتى صارت تنافس على لقب أغنية الموسم.
●●●
الأغنية احتفاء بالتنوع المصرى وهذا فى حد ذاته ليس جديدا، فهناك العديد من الأغانى التى تتناول التنوع مثل الأغانى التى تذكر المحافظات المختلفة وصفاتها المميزة، أو التى تركز على تنوع المهن والطبقات أو التى تحتفى بالوحدة الوطنية (والأخيرة هى بالمناسبة أضعف أغانى التنوع وأكثرها شكلية)، لكن هذه الأغنية مختلفة وجديدة أساسا لأنها لا تعيد إلى الأذهان أى شىء، بل ترتكز على حافة الحاضر وتطرح التنوع والتعايش ليس كفضيلة موروثة ولكن كصفة لحاضر متجدد وكضرورة للمستقبل بالأساس (عشان لازم.. عشان بكره).
تعرض الأغنية مصر المتنوعة فى شكلها الأحدث، وبالتالى الأقرب للتصديق والأكثر حقيقية (فالجزء البدوى مثلا ليس به جمل واحد بل هى سيارة حديثة)، وتقوم على إظهار خصوصيات مستحدثة مثل الراب المصرى والمهرجانات وأغانى الألتراس ــ الأغنية كلها جميلة ومتنوعة بالفعل، وقد افترضت فى البداية انها لعدة مؤلفين وملحنين ولكنى فوجئت بأن ذلك ليس صحيحا وأنها بالكامل من تأليف الشاعر نصر الدين ناجى وتلحين أحمد فرحات.
أحب الأغنية كلها كعمل متكامل ولكنى تعلقت بالذات بمقطع الألتراس وأخذت أبحث عن السبب وراء تعلقى الشديد بكلماته، ولم يكن اهتمامى بالصداقة ولا حبى للألتراس كافيا لتبرير هذا التعلق، وأخيرا توصلت إلى أن هذا فى الغالب يرجع إلى أن هذه الكلمات هى الترياق الشافى من المثل الشعبى الشائع والذى أبغضه تماما «أنا وأخويا على ابن عمى وانا وابن عمى عالغريب» هذا المثل الذى يفترض بداهة التضامن على أساس رابطة الدم يعكس الأساس الذى تقوم عليه فكرة العصبية القبلية وهو أيضا يصلح كملخص بسيط لماهية العنصرية. يسيطر على مقطع الألتراس، وأتشبث به ويملأنى بالبهجة والراحة لأنه يستخدم نفس مفردات المثل البغيض فى قصد مناقض تماما يتطابق مع قناعاتى عن معنى الأخوة الحقيقية.
●●●
اختار يكون جنبى
قفزت إلى ذهنى الكلمات الثلاث «اختار يكون جنبى» منذ أيام قليلة حين عادت قصة الناشطة الأمريكية راشيل كورى إلى سطح الأحداث، بصدور حكم محكمة إسرائيلية بتاريخ 28 أغسطس 2012 بتبرئة الجيش الإسرائيلى من تهمة قتل راشيل ووصف موتها بأنه مجرد حادث مؤسف، وهو الحكم الذى وصفته والدة راشيل بأنه يوم سيئ لحقوق الإنسان وللإنسانية جمعاء وليس فقط لعائلة راشيل، كما أدانته منظمة العفو الدولية ووصفته بأنه امتداد للنهج الإسرائيلى فى الإفلات من العقاب إزاء الانتهاكات فى حق المدنيين والمدافعين عن حقوق الإنسان. وللتذكرة فإن راشيل كورى هى من وقفت فى وجه الجرافة الإسرائيلية محاولة منعها من هدم منزل فلسطينى بقطاع غزة سنة 2003 فما كان من الجرافة إلا أن تقدمت وسحقتها. راشيل ونشطاء أسطول الحرية من الأتراك وغيرهم ممن قتلتهم إسرائيل وهم فى طريقهم للتضامن مع غزة المحاصرة، وغيرهم كثيرون هم شهداء المبادئ والإنسانية وأرقى أنواع الأُخُوَة ــ أُخُوَة الاختيار.
●●●
أنا وأخويا عالغريب فى صيغتها الأنبل تقوم على أُخُوَة المبادئ والإنسانية فى مواجهة الظلم والقهر ــ تحية لصناع الأغنية الجميلة وتحية لروح راشيل كورى وتحية لكل ألوان الأُخُوَة المختارة ولفكرة التضامن بين الشعوب الوجه المشرق للعولمة.