فليلعنا الله يا «إيلان» - محمد سعد عبدالحفيظ - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 3:54 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فليلعنا الله يا «إيلان»

نشر فى : الأحد 6 سبتمبر 2015 - 6:35 ص | آخر تحديث : الأحد 6 سبتمبر 2015 - 6:35 ص

لم أكن أعرف اسمه ولا ديانته أو طائفته عندما طالعت صورته للمرة الأولى يوم الأربعاء الماضى، دققت فى ملامحه فوجدته يشبه ابنى الأصغر «على»، نفس الجسد، ذات الملامح، حتى إنه يرتدى ملابس كملابسه «شورته الأزرق، قميصه الأحمر، حذاءه الصيفى».

أتحدث عن إيلان كردى الطفل السورى الذى «لفظته الإنسانية»، وقذفته أمواج المتوسط على سواحل شبه جزيرة بوردوم التركية.. أعطى للدنيا ظهره ليرقد فى سلام، وضع رأسه على وسادة البحر ووجه نعل حذائه لنا حكاما ومحكومين، صب علينا لعناته بعدما أفلتته يد أبيه وملأ الماء فمه وصرخ صرخته الأخيرة قبل أن يلفظ أنفاسه، «اذهبوا فلن أرحمكم، ستلاحقكم صورتى أينما كنتم، سيصبح موتى لعنة تطارد كل من شارك ولو بالصمت فى الجريمة السورية».

فى ستينيات القرن الماضى صنع فنان الكاريكاتير الراحل ناجى العلى شخصية «حنظلة» الطفل العربى الفلسطينى الثائر، وبعد حرب 1973 كتف له يديه وأعطى ظهره للعالم رفضا لما كان يجرى فى المنطقة العربية من عملية تطبيع مع العدو الصهيونى برعاية أمريكية.. كان حنظلة لا يرى أن هناك أملا فى حكام وشعوب المنطقة التى لا تفعل شيئا سوى ترديد كلمات الاستنكار عقب كل مذبحة ترتكبها إسرائيل فى فلسطين.. عندما سُئل ناجى العلى عن موعد رؤية وجه حنظلة أجاب: عندما تصبح الكرامة العربية غير مهددة، وعندما يسترد الإنسان العربى شعوره بحريته وإنسانيته.

لو كان العمر امتد بناجى العلى الذى تم اغتياله قبل 29 عاما، ليرى ماذا أصاب العرب، وإلى أى قاع سقطت كرامتهم، وتأمل جثة الطفل السورى «إيلان كردى» وهى ممددة على سواحل المتوسط، لفصل رأس حنظلة عن جسده، ثم انتحر، حتى يعفى نفسه من جريمة الصمت.

هرب إيلان من جحيم كوبانى، هرب إلى حيث لا تطارده قذائف داعش وطائرات أردوغان أو نابلم بشار الأسد، ذهب الصغير إلى عالم لا يحتاج إلى تأشيرة أو إقامة.. ذهب ليقدم أوراق إدانتنا ليشكو لصاحب الدينونة تبلد ضمائرنا.

عندما تقف يا إيلان فى ساحة الحق لا ترحمنا.. لا ترحم من تاجروا بك حيا وميتا.. هناك سيستقبلك الطفل الفلسطينى على سعد الدوابشة الذى حرقه المستوطنون الصهاينة فى قرية دوما بالضفة الغربية مع باقى أسرته قبل أسابيع ويسألك: «ماذا فعل العالم بعد حرقى وتشييعى؟ هل تغير شىء؟»، فأخبره بأن العالم طوى صفحته وترك حارقيه دون عقاب.. وفى نفس الساحة ستتعرف على الأطفال الأربعة عاهد وإسماعيل وزكريا ومحمد الذين لفظوا أنفاسهم الأخيرة بعدما قصفتهم آلة الحرب الإسرائيلية على سواحل غزة العام الماضى.. قل لهم إنهم دخلوا كتاب النسيان ليلحقوا برفاقهم إيمان حجو ومحمد الدرة.. أخبرهم أن العرب أغلقوا أبوابهم وأداروا ظهورهم وصموا آذانهم حتى لا يسمعوا صراخنا، أو ننغص عليهم حياتهم بوجودنا فى بلادهم.

إيلان لن يكون الطفل العربى الأخير الذى سيبتلعه البحر أو تأكله النار.. سبقه إلى مصيره آلاف الأطفال وسيلحقه آخرون، وستستمر المأساة، ومع صعود كل صغير جديد إلى السماء سنعود إلى الصراخ والدموع والكتابة لنريح ضمائرنا ثم نعود لنمارس حياتنا وكأننا قضينا فرضنا.. فلا ترحمنا يا إيلان.. ويا والد إيلان لا تقبل عزاءنا.. اجلس على قبر عائلتك والعن كل من شجب وأدان، فهم من تركوا اسرتك ليبتلعها البحر.


محمد سعد عبدالحفيظ
saadlib75@gmail.com

التعليقات