بعد أكثر من 60 عاما من احتلالها، حصلت فلسطين على صفة «دولة مراقب» بالأمم المتحدة فى معركة دبلوماسية ناجحة. وإذا نظرنا إلى مشكلة فلسطين على أن لها أبعادا متعددة، دبلوماسية وعسكرية وقانونية واقتصادية وحضارية وغيرها، فإنه يمكن اعتبار القرار آلية واحدة من آليات النضال من أجل تحرير كامل تراب فلسطين التاريخية. تتناول هذه المقالة القرار وجدواه وكيفية الإستفادة منه فى مسار النضال الفلسطينى.
•••
وقف الإسرائيليون بشدة ضد القرار وحاولوا منعه، وكانوا يأملون فى معارضة الدول الأوروبية الكبرى للقرار حتى يدّعون مستقبلا أن الدول التى أيدت القرار غير مؤثرة، لكن هذا لم يحدث. وكانت هناك هزيمة ثقيلة لهم ولأمريكا، إذ أيد القرار ثلثا عدد أعضاء الأمم المتحدة تقريبا (من 193 دولة، صوتت 138 دولة لصالح القرار مقابل 9 دول رفضت وامتناع 41).
وبعد إخفاقهم الدبلوماسى، قلل الإسرائيليون من شأن القرار واعتبروه رمزيا وذلك بعد أن كانوا يرون منذ أسابيع أن تمرير القرار أخطر من صواريخ حماس! غير أنه ليس من المتوقع أن يكون هناك ردود إسرائيلية متشددة، فأى رد متشدد سيزيد من عزلة إسرائيل الدولية ويرفع التوتر مع أمريكا، ويشعل الموقف على الأرض عشية الانتخابات. كما قد يكون له الكثير من الآثار السلبية على أمن الإسرائيليين أنفسهم، فقطع عوائد الجمارك (نحو 100 مليون دولار شهريا) أو تحريض الولايات على تجميد المساعدات (نحو نصف بليون دولار سنويا) سيضعف السلطة الفلسطينية ويعود بالسلب على جهاز الأمن الفلسطينى وبالتبعية على أمن الإسرائيليين كما كتبت الصحف الإسرائيلية. وعندما هدد أعضاء بالكونجرس بتجميد المساعدات للفلسطينيين فى السابق، ناشد الإسرائيليون الكونجرس عدم التجميد لأن الأموال تستخدم فى الصرف على أمن الإسرائيليين!.
بالطبع سيستمر الضغط الأمريكى لدفع أبومازن للمفاوضات، لكن ليس من المتصور أن تصعد الولايات المتحدة هى الأخرى من ردها الآن، إذ إن أوضاع أمريكا الداخلية والاهتمام بالشأن الداخلى وتركيبة الكونجرس تدفع جميعها إلى وضع السياسات الداخلية على رأس الأولويات وليس السياسة الخارجية.
وسيكون هناك بعض الضغوط الغربية الأخرى على أبومازن للدفع به إلى طاولة المفاوضات، ولمنعه من الذهاب إلى المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة مجرمى الحرب الإسرائيليين. وهناك بالفعل ضغوط مورست من ألمانيا ــ وهى الأقوى اقتصاديا بأوروبا ــ وخاصة من الحزب الديمقراطى المسيحى الحاكم المناصر بشدة للإسرائيليين. ولا ننسى أن ألمانيا قدمت للإسرائيليين غواصتين نوويتين مجانا وتمارس دوما الضغط على الفلسطينيين استنادا إلى عقدة الهولوكست. كما تمارس بريطانيا ضغوطا مشابهة برغم تاريخها غير المشرف فى نشأة المشكلة بالأساس، وكانت بريطانيا قد اشترطت للموافقة على القرار تعهد فلسطين عدم الانضمام إلى عضوية محكمة الجنايات الدولية.
•••
وبرغم هذا، فهناك مكاسب سياسية معنوية من القرار، أهمها هزيمة الولايات المتحدة وإسرائيل، اللتين رفضتا الطلب الفلسطينى ومارستا كل أنواع الضغط لمنع التقدم به أو لتقديم تنازلات. وإذا أحسن استخدام القرار، فإن القرار قد يساعد على إعادة القضية الفلسطينية إلى الساحة الدولية الأممية ونقل جرائم الحرب الإسرائيلية إلى العالم، والتأسيس لشرعية دولية لدولة فلسطين المستقلة.
وللقرار مكسب قانونى، هو تأكيد أن إسرائيل هى دولة إحتلال، تحتل أراضى دولة أصبحت عضوا بالأمم المتحدة وتستوطن فى أراض محتلة، وهذا، إذا أحسن استخدامه، قد يعزز المطالبة بإنهاء الاحتلال والاستيطان والوصول إلى العضوية الكاملة.
وبشكل مباشر يمكن القول أنه حتى يُستثمر هذا المكسب القانونى سياسيا على الأرض، لابد أن يُستكمل القرار بخطوات أخرى سريعة وبجهد قانونى ودبلوماسى أتمنى أن يكون فلسطينيا عربيا مشتركا وأتمنى أن تلعب الدبلوماسية المصرية دورا أساسيا فيه.
الخطوة التالية مباشرة ليست الذهاب إلى طاولة المفاوضات برعاية أمريكية، وإنما انضمام دولة فلسطين إلى كافة مؤسسات ووكالات الأمم المتحدة، وأهمها محكمة العدل الدولية، حتى يمكن استخدام آلياتها لمقاضاة إسرائيل أمميا، كما يجب التوقيع فورا على كافة المواثيق والاتفاقيات الدولية ذات الصلة وعلى العهدين الدوليين واتفاقيات جنيف الأربعة والبروتوكولين الإضافيين لهما، وذلك حتى يمكن اعتبار الأسرى الفلسطينيين أسرى حرب، وحتى يخضع سكان المناطق المحتلة لاتفاقية جنيف الرابعة. ثم يجب الاستناد إلى هذا الوضع الجديد لإدانة الإسرائيليين والمطالبة بإزالة الإستيطان وإنهاء الاحتلال.
كما يجب التوقيع فورا على ميثاق روما، وهو النظام الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية، حتى يمكن مقاضاة مجرمى الحرب الإسرائيليين على جرائمهم التى ارتكبوها فى حق الشعب الفلسطينى منذ دخول اتفاقية روما حيز التنفيذ عام 2002 وحتى اليوم. فحسب النظام الأساسى يعتبر الإستيطان وإقامة الحواجز العسكرية وقتل المدنيين واستهداف عربات الإسعاف والصحفيين وغير ذلك جرائم حرب.
•••
لقد ساهمت عوامل كثيرة فى نجاح القرار، منها نجاح الدبلوماسية الفلسطينية فى حشد تأييد أغلبية الدول بالجميعة العامة، وتصاعد الهمجية الإسرائيلية وتكرار اعتداءاتها على قطاع غزة على مرأى ومسمع من العالم كله، وتصرف قادة إسرائيل برعونة واضحة واستخفاف شديد بكل المواثيق الدولية. فضلا عن فشل الضغوط التى مارستها الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا على دول أوروبية وغير أوروبية للتصويت ضد القرار.
غير أن الاستفادة من هذا القرار يستوجب عدم الإصرار على الدخول فى مفاوضات التسوية السلمية التى تدعو لها الولايات المتحدة وإسرائيل دون أساس قانونى ودولى جديد، ويتطلب عدم التنازل عن الثوابت الفلسطينية كحق العودة وحقوق اللاجئين وحق تقرير المصير وتقييد حقوق الأجيال القادمة فى تحرير كامل تراب الشعب الفلسطينى.
ويحتاج هذا القرار قبل كل شىء إلى مصالحة وطنية حقيقية بين كافة الفصائل الفلسطينية وإلى تشكيل جبهة وطنية موحدة تضع استراتيجية شاملة للمقاومة بأدوات متنوعة ومتكاملة. ويجب أن يكون هناك حوار حقيقى لمعالجة مخاوف بعض القانونيين الفلسطينيين من أن عضوية دولة فلسطين بالأمم المتحدة، بدلا من تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية، ستثير مشكلات قانونية باعتبار أن المنظمة كانت تمثل الشعب الفلسطينى فى الداخل والخارج، أما دولة فلسطين فستمثل الداخل فقط ما يعنى التنازل عن حقوق اللاجئين والعودة وحقوق فلسطينيى 1948.
•••
ولأن القوى الاستعمارية تواجه دوما بكل السبل لأجل إنهاكها واستنزافها ورفع تكلفة احتلالها، فإن النضال القانونى والدبلوماسى يجب أن يكون أحد أوجه النضال ضد الاحتلال، ويجب أن يكون ضمن استراتيجية وطنية شاملة لمقاومة الإحتلال، ويجب أن يدعم مصريا وعربيا.
أستاذ مساعد فى العلوم السياسية بجامعة الإسكندرية