لن يستطيع المجلس العسكرى أن يكسب رهانه على استعادة الثقة التى فقدها مع الرأى العام والقوى السياسية الثورية بإصدار بيانات عاطفية تشدد على ارتباطه بثورة 25 ينايروحمايته لها، دون أن يتخذ إجراءات فعلية تحقق المطالب المشروعة للمعتصمين فى ميدان التحرير أو الذين «يحاربون» وزارة الداخلية فى شارع منصور ومحمد محمود، وأولها القبض على المتهمين بقتل الثوار وتقديمهم للعدالة، وإعادة هيكلة وزارة الداخلية، واستبعاد كل عناصرها الفاسدة، وتغيير فلسفة عملها التى تعتمد على القمع وانتهاك حقوق الإنسان، وقبل ذلك كله إعلانه الاستجابة للمطالب التى تدعوه للتبكير بتسليم السلطة للمدنيين، ووضع دستور جديد قبل انتخاب رئيس الجمهورية. طوال الشهور الماضية، والاتهامات تتصاعد ضد المجلس العسكرى بأنه يتهرب من تحقيق هذه المطالب، وأنه يستفيد من الانفلات الأمنى الذى ارتفعت وتيرته خلال الآونة الأخيرة بمسلسل السطو المسلح على البنوك، والاعتداءات المستمرة على أقسام الشرطة، نهاية بمجزرة مباراة الأهلى والمصرى فى بورسعيد، لكى يبرر استمراره فى السلطة، كما يقول الكثير من المراقبين، أو على الأقل لكى يثير نقمة ملايين المصريين على الثورة التى أزاحت فساد مبارك وجاءت بفوضى غير مسبوقة!
وقد يكون نقل مبارك لسجن طرة خطوة تحسب للمجلس العسكرى، رغم التأخير غير المبرر لهذا النقل، فإن هذه الخطوة ستكون مجرد «حركة استعراضية» لتهدئة الخواطر، ما لم يواكبها خطوات أخرى تتمثل فى محاكمة مبارك بتهم الفساد السياسى والمالى، وانتهاكه للدستور الذى أقسم على احترامه، ثم إجراء تحقيقات جدية مع سوزان مبارك ورجال نظامه الذين تلاحقهم اتهامات بتدبير أحداث العنف واستئجار البلطجية وأرباب السوابق لإثارة الفوضى فى البلد، وقبل ذلك كله محاكمة رجال الجيش والشرطة المتورطين بقتل المتظاهرين والاعتدء على المتظاهرات وسحلهن خلال أحداث ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء، والتى راح ضحيتها عشرات الشهداء وآلاف المصابين، رغم مرور فترات طويلة على ارتكاب هذه الجرائم، ورغم تقديم المتظاهرين المتهمين بالاعتداء على رجال الأمن للعدالة.
لم يعد المجلس العسكرى يملك الآن ترف المناورة ومحاولة كسب الوقت بعد مجزرة بورسعيد، فغضب المتظاهرين مرشح للتصاعد بشكل ينذر باستمرار مواجهاتهم الدامية مع قوات الأمن، كما ازدادت الفجوة بين رجل الشارع والمؤسسات التفيذية والتشريعة بشكل ينذر أيضا بانهيار الثقة فى هذه المؤسسات، ودخولنا مرحلة فوضى عارمة!
نحن الآن أمام مفترق طرق، إما أن يستمر المجلس العسكرى فى سياساته القديمة ونستعد لجولات جديدة من العنف، وإما أن نبدأ فى بناء دولة المؤسسات والقانون برجوع الجيش لثكناته، وتسليمه السلطة للقوى الاجتماعية التى أشعلت ثورة يناير، ودفعت ثمنها غاليا وآن لها أن تعيش بكرامة وعدل وحرية!