موسم سينما 2022 بين مصر وتركيا - تامر شيخون - بوابة الشروق
الأربعاء 22 يناير 2025 1:27 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

موسم سينما 2022 بين مصر وتركيا

نشر فى : الثلاثاء 7 فبراير 2023 - 2:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 7 فبراير 2023 - 2:09 م

"برسوم يبحث عن وظيفة".. أول فيلم صامت وُلِدَ معه فن السينما المصرية عام 1923. بعدها بعامين أسس بنك مصر شركة سينما مصر لترتقي المبادرات الرائدة البسيطة لإنتاج أفلام صامتة إلى منظومة اقتصادية قادرة على تدشين صناعة حقيقية تنتج عشرات الأفلام التجارية سنويا.

تاريخ طويل عريق عراقة السينما العالمية ذاتها، قُدِّمَ خلاله أربعة ألاف فيلماً طوال قرن من الزمان بمتوسط 42 فيلماً سنويا.

هكذا ولدت السينما المصرية عملاقة حتى أصبحت يوماً ما مصدر الدخل الثالث للدولة. لذا تبقى مصر الدولة العربية صاحبة الإنتاج السينمائي الأضخم دون منازع حتى الآن، رغم أن شباك تذاكرها لا يحصد الإيرادات الأعلى عربيا.

إذا قارنا الوضع السينمائي الحالي في مصر بدولة مثل تركيا، سنجد أنها تتشابه مع مصر في عدة أوجه. تركيا صاحبة صناعة سينمائية ضخمة وعريقة أيضا. يبلغ تعدادها السكاني 85 مليون نسمة. رغم ضخامة اقتصادها البالغ 840 مليار دولار "ضعف الناتج القومي المصري"، إلا أن اقتصادها عانى في السنوات السبع الأخيرة تذبذبا شديدا بين النمو والانكماش مصحوبا بارتفاع ُمطَّرِد في معدلات التضخم وصل ذروته العام الماضي بعدما تخطى نسبة 85%!. 

في المقابل، عانت مصر من موجتي تخفيض لقيمة العملة المحلية ساهمت في ارتفاع معدل التضخم إلى 21%.

نظرة سريعة على جدول المقارنة أدناه:

سنجد أن تركيا أنتجت عام 2022 ما يقارب خمسة أضعاف إنتاج الأفلام المصرية "112 فيلما مقابل 26 فيلما مصريا".

البنية التحتية لدور العرض في تركيا تبلغ أكثر من سبعة أضعاف دور العرض المصرية "2800 شاشة مقابل 280 شاشة في مصر".

عدد الشاشات بالنسبة لتعداد السكان هي 3 من مائة لكل مواطن في تركيا في مقابل 3 من ألف لكل مواطن في مصر. ذلك يعني أن البنية التحتية للسوق التركي أكبر كثيرا من مثيلتها في مصر، مما يمنح تركيا بيئة أفضل لنشر الثقافة السينمائية والتوزيع وتعظيم حجم السوق السينمائي المحلي.

إذا تعمقنا أكثر في مقارنة نتائج الموسم السينمائي في البلدين حسب جدول المقارنة التالي:

سنجد أن إجمالي عائدات شباك التذاكر في تركيا يزيد قليلا عن ضعف إيرادات شباك التذاكر المصري "71 مليون دولار في مقابل 33 مليون دولار في مصر". شكلت الأفلام المحلية منها نسبة 51% من إجمالي العائدات. في حين شكلت الأفلام المحلية في مصر نسبة 65% من إجمالي الإيردات.

نمت سوق دور العرض في تركيا بنسبة 464% عن عام 2021 لكنها ما زالت أقل من عوائد 2019 "قبل الجائحة" بنحو 42% .

في حين نمت سوق دور العرض المصرية 33% عن عام 2022 لكنها ما زالت أقل من عوائد 2019 "قبل الجائحة" ب25%

الأفلام التركية المتخطية إيرادتها مليون دولار، سبعة أفلام، وفي مصر ثمانية أفلام. أما الأفلام الأجنية المتخطية إيرادتها في تركيا مليون دولار 18 فيلماً أما العدد في مصر غير متاح.

ساهمت الأفلام المحلية "الكبرى" في السوق التركية بنسبة 28% من إجمالي الإيرادات بينما شكلت الأفلام المحلية "الكبرى" في مصر نسبة 86% من إجمالي الإيرادات!

الفيلم التركي الأكثر نجاحا في تركيا هذا الموسم هو فيلم "بيرجين" بإجمالي 8 مليون دولار و هو فيلم درامي مبني على قصة حقيقية لمطربة الثمانينات بيرجين التي عاشت حياة قصيرة مأساوية.

 في المركز الثاني فيلم "إيرين" وهو فيلم دراما آخر مبني على قصة حقيقية لمراهق كان يعيش حياة قاسية على تلال البحر الأسود.

في المركز الثالث فيلم "أسلان" وهو فيلم رسوم متحركة عن طفل يحلم أن يكون مهندس طيران.

بالنظر للأفلام الثلاثة المتصدرة شباك التذاكر في تركيا، يسهل ملاحظة التنوع الفني في خريطة الإنتاج السينمائي هناك في مقابل الهيمنة الكوميدية على السوق المصري.

نحن إذن نتحدث عن سوق يسترد عافيته كما نسترد لكنه لم يرجع إلى سابق عهده قبل الجائحة كما هو الحال عندنا أيضا. قد يعكس حجم السوق التركي الفارق بين حجم الاقتصاد في البلدين, لكن التفاوت الضخم في عدد الشاشات سواء في المطلق أو بالنسبة لتعداد السكان دليل على كون آليات واقتصاديات صناعة السينما "تحديدا" في تركيا أفضل من مثيلاتها في مصر رغم ضخامة الفرصة في بلد يفوق تعداده المائة مليون وعمر السينما فيه المائة عام!

من الواضح أيضا أن خريطة أو خطة الإنتاج السينمائي بشكل عام في مصر تعكس عجزا من عموم كبار المنتجين في معرفة متطلبات المتفرج الثقافية أو الترفيهية، وبالتالي عجزا في إشباعها. هناك حالة من الاستسهال والعزوف عن أي مغامرة تجارية بالتركيز على نمط بعينه من الكوميديا التجارية مطلوب في السوق المصري والخليجي رغم رواج نوعيات أكثر من الدراما بين الفئات العمرية الصغيرة نشهدها في مجالات الرواية ومتابعة أفلام المنصات أو حتى دراما المسلسلات.

النتيجة أننا أمام عدد قليل من الأفلام الناجحة تجاريا "أقل من أصابع اليدين" في مقابل تعثر تجاري لباقي الأفلام المنتجة في نفس الموسم.

في حين أن في تركيا قاعدة الأفلام التي تحقق عائدا تجريا "معقولا" أكبر منها في مصر.

تلك الحقيقة تطرح سؤالا منطقيا..

هل المشكلة في العرض أم في الطلب؟

هل المشكلة أن المتفرج المصري نمطي؟ لا يتفرج سوى على كوميديا "الفارس" المليئة بالإفيهات واسكتشات المبالغة؟

أم أن المشكلة في العرض؟ في منتج لا يعتمد على دراسات تسويقية عميقة لفهم احتياجات الجمهور؟

 

تامر شيخون كاتب مصري الجنسية من مواليد المملكة العربية السعودية، خريج كلية تجارة جامعة القاهرة. حاصل على ماجستير إدارة أعمال من جامعة إسلسكا الفرنسية ودبلوم تسويق من معهد سي آي إم الملكي ببريطانيا. يعمل في إدارة الأعمال بشركات عالمية وإقليمية منذ أكثر من ثمانية عشر عاما في منطقة الشرق الأوسط. حصل على الميدالية الذهبية كأفضل مذيع تلفزيوني في مسابقة ستوديو الفن مصر عام 2003. صدر أول كتبه الاجتماعية الساخرة عن دار العين للنشر (الأسد المغاغي والقطة الفاقوسية) وصلت أول رواياته بريدچ الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية للنشر إلى القائمة الطويلة لجائزة نجيب محفوظ. ألف سيناريو فيلم (الشبورة)، وقصة (أسرار تحت رمال ناعمة)، بالإضافة لأكثر من 50 أغنية باللغة الإنجليزية.
التعليقات