فى سنة 2011 كان أحد الباحثين فى جامعة بيركلى الأمريكية يجلس أمام جهاز الكمبيوتر ويريد شراء كتاب من موقع أمازون الشهير، ثمن هذا الكتاب فى العادة يكون فى حدود ثلاثين إلى أربعين دولارا، لكن هذا الباحث وجد مفاجأة غريبة، وجد نسخة الكتاب ثمنها أكثر من مليون ونصف دولار. فى البداية حسب أن الأمر لا يتعدى مزحة من أصحاب الموقع أو خطأ فقرر الانتظار حتى اليوم التالى، لكن فى اليوم التالى وجد أن سعر الكتاب قد زاد وقارب على الثلاثة ملايين دولار، وعلى مدى أسبوعين أخذ السعر يتزايد حتى وصل إلى أكثر من 28 مليون دولار. لم يتوقف ذلك حتى خاطبت الجامعة شركة أمازون واضطر أحد العاملين فى أمازون إلى التدخل لتصحيح الوضع وعاد سعر الكتاب إلى مستواه الأصلى.
فى السادس من مايو سنة 2010 بدأت أحداث غريبة تحدث فى سوق الأسهم، بدأ الانهيار فى الساعة الثانية و42 دقيقة ظهرا بتوقيت نيويورك، وبعد خمس دقائق فقط فقد مؤشر داو جونز 998 نقطة وهو أعلى انخفاض يحدث فى يوم واحد فى التاريخ، تقريبا تريليون دولار تبخرت، بعد ثلاث دقائق أخرى عاد المؤشر للارتفاع.
يوم 14 أغسطس سنة 2003 وعقارب الساعة تجاوزت الرابعة عصرا بقليل بتوقيت الساحل الشرقى الأمريكى بدأت بعض المدن الأمريكية تواجه انقطاعا فى التيار الكهربائى، وقبل أن تصل الساعة إلى الخامسة وقع أكبر حادث انقطاع للكهرباء فى تاريخ أمريكا والثانى فى التاريخ عامة حيث أصبح 55 مليون شخص فى أمريكا وكندا بدون كهرباء لعدة ساعات قبل أن يعود التيار الكهربى تدريجيا.
ما الذى يجمع هذه القصص الثلاث؟ الذى يجمع بينها هو أجهزة الكمبيوتر، فى القصة الأولى البرمجيات المسئولة عن تسعير الكتب فى أمازون دخلت فى حرب مع بعضها وأصبح كل برنامج يريد أن يضع سعرا أعلى من البرنامج الآخر (تستخدم أمازون عدة برمجيات)، فى القصة الثانية لم يعرف على وجه التحديد السبب لكن أحد السيناريوهات أن البرمجيات التى تستخدم فى شراء وبيع الأسهم باعت أسهما بأكثر من أربع مليارات دولار فى وقت قصير جدا مما أدى إلى الانهيار الذى حكينا عنه. أما القصة الثالثة فهى نتيجة خطأ فى برمجيات إحدى شركات الطاقة والذى جعل البرمجيات لا تطلق جهاز الإنذار عندما يزداد التحميل على كابلات نقل القوى الكهربائية عن حد معين مما أدى إلى انهيار شبكة الكهرباء.
الكمبيوتر هو ما يحكم العالم الآن، والكمبيوتر يتكون من البرمجيات ومن أجهزة الكمبيوتر نفسها، البرمجيات تمت كتابتها عن طريق مبرمجين باستخدام لغات برمجة معينة، لكن هناك خطوة مهمة جدا قبل كتابة برنامج الكمبيوتر وهى تصميم ما يسمى بالخوارزميات، فما هى تلك الخوارزميات؟
الخوارزميات (algorithm) اشتقت اسمها من محمد بن موسى الخوارزمى وكان عالما للرياضيات ، وتعود اصول عائلته الي خوارزم في اوزبكستان، في حين تذكر مصادر اخري انه من فى بلاد فارس او بغداد التي عاش فيها. أجهزة الكمبيوتر تستخدم أساسا لحل المشكلات، حتى عندما تستخدمها فى الألعاب فالمشكلة المراد حلها هى تسليتك، الخوارزم (وهى مفرد كلمة خوارزميات) هى خطوات حل هذه المشكلة، تصميم هذا الخوارزم من أهم الخطوات لأنه بمثابة الخريطة التى يسير عليها المبرمج ليصمم برنامجه، أفضل مبرمجى العالم سيفشلون لو كان الخوارزم غير دقيق أو به أخطاء، إذا تصميم الخوارزميات أهم من تعلم لغات البرمجة، وهى مهمة أصعب من تعلم البرمجة لذلك نجد فى هذا العالم عدد المبرمجين أكثر بكثير من عدد مصممى الخوارزميات. يجب أن نهتم فى جامعاتنا بتدريس هذه المهارة المهمة والنادرة. الذكاء الاصطناعى نفسه (موضة هذا العصر الذى نعيش فيه) يمكننا أن نعتبره مجموعة من الخوارزميات المستوحاة من طريقة عمل المخ.
أين الخطر من كل ذلك؟ الخطر أننا نعطى زمام القيادة للبرمجيات والتى صُممت تبعا للخوارزميات وتعمل على أجهزة الكمبيوتر، أجهزة الكمبيوتر الآن أصبحت تدير كل شىء فى حياتنا وهذه ممتاز حتى تحدث مشكلة، تخيل أن جهازك يتوقف عن العمل قبل تسليم مشروع أو بحث مهم أو أن تليفونك المحمول أصبح مجرد قطعة حديد لا تستجيب لك، هذه السيناريوهات مقلقة لك على المستوى الشخصى، فماذا عن أجهزة الكمبيوتر العملاقة التى تتحكم فى وسائل الاتصالات والمواصلات والمستشفيات إلخ؟ السيناريوهات مرعبة.
ما أردت قوله فى هذا المقال هو أننا كما نطور من أجهزة الكمبيوتر يجب أن نطور من خططنا الاحتياطية عندما يحدث خطأ حتى لا نجد أنفسنا تحت رحمة أجهزة كمبيوتر حدث بها خطأ ما.