لم يكن حمل شباب جماعة الإخوان السلاح لمواجهة الدولة من باب الاضطرار، كذلك لم تكن دعوة أعضاء مكتب الإرشاد لنبذ العنف والتمسك بالسلمية، التزاما بمنهج أو عودة إلى الأصول، فالأصل فى التنظيم أن تكون جنديا تقسم على السمع والطاعة، وتبذل الجهد والمال والدم، حتى تصبح عضوا عاملا.
شيوخ الجماعة وشبابها نهلوا أفكارهم من معين واحد، كلاهما يؤمن بأن «دولة الاسلام لن تقوم إلا بمعركة فاصلة بين الحق والباطل»، الفرق أن الشيوخ الذين قضوا عقودا داخل صفوف التنظيم هضموا حيله وتكتيكاته، فعرفوا متى يداهنون، ومتى يواجهون، ومتى يفاوضون، أما الشباب فدخل دائرة الدم مدفوعا بشهوة الانتقام ممن أسقطوا دولتهم المزعومة.
لقد نفذ شباب الإخوان حرفيا ما كلفهم به مؤسس الجماعة حسن البنا قبل 80 عاما. ففى رسالة المؤتمر الخامس قال البنا: «إن الإخوان المسلمين سيستخدمون القوة العملية حيث لا يجدى غيرها».. وأضاف فى نفس الرسالة «فى الوقت الذى يكون فيه منكم معشر الإخوان المسلمين ثلاثمائة كتيبة قد جهزت كل منها نفسها روحيا بالإيمان والعقيدة، وجسميا بالتدريب.. فى هذا التوقيت طالبونى بأن أخوض بكم لجج البحار، وأقتحم بكم عنان السماء، وأغزو بكم كل عنيد جبار، فإنى فاعل إن شاء الله.. ألِفوا الكتائب، وكوِنوا الفرق، وأقبلوا على الدروس، وسارعوا إلى التدريب».
ألَف شباب الإخوان الكتائب وكونوا فى كل محافظة مجموعات من «المجهولين»، نفذت عمليات إرهابية نوعية دللت على انتقال أصحابها من مربع الهواية إلى مربع الاحتراف، وتبنوا رسميا «نداء الكنانة» الذى دعا إلى استهداف كل من دعم نظام 30 يونيو من سياسيين وضباط شرطة وجيش ورجال قضاء وإعلام، وترجموا ما تلقوه فى محاضن الجماعة التربوية، وحولوا دعوة القيادى الإخوانى السورى منير الغضبان فى كتابه «المنهج الحركى» إلى واقع ملموس، الغضبان قال فى كتابه «إن من يستحق القتل فى حربه المسعورة على الإسلام، وليس هو مجال شبهة فى هذا العداء، وأقدم شاب على قتله – دون إذن القيادة ــ فهو نصر للإسلام بظهر الغيب، فزعماء الطاغوت الذين أشعلوا الحرب على المسلمين.. هؤلاء يتقرب إلى الله بدمائهم».
الباحث المتميز فى الحركات الإسلامية هيثم أبو زيد أكد فى دراسته «رحلة فى كهف تنظيم الإخوان»، أن كتاب الغضبان ظل مقررا ويدرس لأسر الإخوان فى مستوى «المنتظم» لأكثر من 20 سنة.
مقال محمود غزلان عضو مكتب الإرشاد وصهر خيرت الشاطر رجل الجماعة القوى والذى تحدث فيه عن أن «عددا من أفراد الجماعة تفلتوا عن ثوابتها ومن بينها السلمية»، جاء كاشفا لعودة قادة التنظيم مرة أخرى لـ«خطاب الاستضعاف»، بعد سقوط «خطاب التمكين» من أعلى منصة رابعة العدوية عقب عزل الرئيس الإخوانى محمد مرسى.
إذن التمايز فى وجهتى النظر بين شباب الجماعة وشيوخها ليس منهجيا، فالجيل القديم يدرك أن الدخول فى مواجهة صفرية مع الدولة محسوم لصالحها، وقد يكتب نهاية التنظيم، فاختاروا العودة إلى فقه المرحلية «تبنى الجماعة لمواقف وخطاب يخدم مصالحها فى مرحلة سياسية وزمنية بغض النظر عن مدى توافقه مع معتقداتها»، وحتى يتغير الظرف فعليهم الانحناء أمام العاصفة.
وفى سبيل الحفاظ على التنظيم أيضا، لا مانع لدى الشيوخ من استخدام فورة الشباب كورقة تفاوض مع النظام.
بعد سقوط معظم أعضاء مكتب إرشاد الجماعة، هل ننتظر خروج مراجعات فكرية من سجن طرة لنبدأ حلقة جديدة من مسلسل «التمكين»؟.