لماذا هذا الإسراع تجاه التفاوض المباشر؟ - إيهاب وهبة - بوابة الشروق
الأحد 22 ديسمبر 2024 6:53 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لماذا هذا الإسراع تجاه التفاوض المباشر؟

نشر فى : السبت 7 أغسطس 2010 - 10:16 ص | آخر تحديث : السبت 7 أغسطس 2010 - 10:16 ص

 أصاب تصديق اللجنة الوزارية لمبادرة السلام العربية يوم 29 يوليو الماضى على الانتقال من المفاوضات غير المباشرة إلى المباشرة، الكثيرين فى الأوساط الفلسطينية والعربية، بقدر كبير من خيبة الأمل، إذ جاء القرار على عكس ما كان متوقعا. صحيح أن هذا التصديق جاء مقترنا بعدد من الضوابط والمطالب، حيث لم تمنح اللجنة للسلطة الفلسطينية شيكا على بياض للانتقال تلقائيا وفوريا إلى المفاوضات المباشرة، إنما تركت إلى الرئيس الفلسطينى أمر تحديد موعد بدء هذه المفاوضات، كما وجهت اللجنة رسالة إلى الرئيس أوباما تضمنت ضرورة تحديد المرجعيات، ووضع آلية للمتابعة، وإطار زمنى للمفاوضات، إلا أن الانطباع لدى الجميع هو وجود موافقة من قِبل اللجنة، حيث رحبت الولايات المتحدة على الفور بالقرار، الذى بذلت كل جهد ممكن من أجل تمريره، كما سارع نتنياهو إلى إعلان استعداده للدخول الفورى فى مثل هذه المفاوضات المباشرة، التى نادى بها وأصَّر عليها لأشهر خلت.

أشعر من ناحيتى بحيرة شديدة تجاه قرار اللجنة، بل لا أجد له أى تبرير منطقى، آخذا فى الاعتبار الآتى:
أولا، سبق للجنة المبادرة التى اجتمعت فى 2 مارس الماضى، ومرة أخرى فى الأول من مايو، أن حددت مهلة زمنية للمفاوضات غير المباشرة تمتد لأربعة أشهر تنتهى يوم 9 سبتمبر المقبل. لذلك فهناك تساؤل مشروع حول سبب هذه العجلة فى عقد اجتماع جديد للجنة قبل أن تنقضى المدة المقررة من أجل اتخاذ ذلك القرار.

ثانيا، لم يتم إحراز أى تقدم فى المباحثات غير المباشرة يبرر الانتقال إلى المباشرة، وهو الشرط الذى سبق اللجنة الإصرار على ضرورة توفره قبل الانتقال للصيغة الجديدة للمفاوضات. ولعل الرئيس أبومازن قد لخص الموقف تماما يوم 29 يوليو عندما أعلن أنه لم يتلق أى إجابة على الإطلاق من إسرائيل على قضيتين أساسيتين هما، القبول بخطوط 1967، ووقف الاستيطان، مؤكدا فى نفس الوقت أنه تعرض لضغوط لا قبل له بها كى يقبل التفاوض المباشر مع إسرائيل.

ثالثا، وعوضا عن إحراز تقدم، تعرض المسار الفلسطينى ــ الإسرائيلى إلى نكسة تلو أخرى. ففى 31 مايو اعتدت إسرائيل على قافلة الحرية فى عرض البحر وسقط العشرات بين قتيل وجريح. واستمرت إسرائيل فى تضييق حصارها على غزة، واتخذت السلطات الإسرائيلية قرارات متعاقبة بهدم المنازل الفلسطينية بضواحى القدس الشرقية، وتوسيع الأحياء اليهودية على ممتلكات الفلسطينيين، بما فى ذلك بناء المئات من الغرف الفندقية. أضف إلى ذلك إصدار الأوامر بإبعاد أعضاء من المجلس التشريعى المقدسيين، واستمرار التوغلات والاعتداءات الممنهجة التى طالت مناطق عديدة فى الضفة الغربية، علاوة غزة التى تدك بالصواريخ والقنابل دون محاسبة أو مساءلة.

رابعا، لا أعرف لماذا لم نطالب الولايات المتحدة بإنفاذ ما تعهدت به رسميا عند انطلاق المفاوضات المباشرة بأن تشير بإصبع الاتهام إلى الطرف الذى قد يتخذ من الإجراءات ما يقوِّض الثقة، وتحمله كامل المسئولية عن هذه التصرفات. جاء ذلك فى بيان رسمى صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية يوم 9 مايو 2010 بمناسبة انتهاء الجولة الأولى من المفاوضات غير المباشرة. وقائمة هذه الإجراءات الإسرائيلية التى تهدم الثقة طولية كما سبقت الإشارة!.

خامسا، مطلب المفاوضات المباشرة هو مطلب إسرائيلى أساسا يراد به تحييد دور الولايات المتحدة، وتجنب أى تدخل من جانبها قد لا يروق لإسرائيل أو يتعارض مع مخططاتها. وانفراد إسرائيل بالسلطة الفلسطينية فى أى مفاوضات مقبلة هو الغاية والمنتهى للسياسة الإسرائيلية.
سادسا، حتى بعد صدور قرار اللجنة العربية، فليس فى تصريحات المسئولين الإسرائيليين ما ينبؤ عن نيتهم تمديد فترة تجميد الاستيطان بعد 9 سبتمبر، بل فى الواقع نسمع من ليبرمان أن الاستيطان سيستأنف بعد ذلك التاريخ، وينسب لنتنياهو قوله إن تمديد التجميد سيعنى انهيار ائتلافه الحاكم!.

سابعا، يصعب علىّ تفسير حماس أمريكا المنقطع النظير للمفاوضات المباشرة، وهى تعلم علم اليقين أنها ستجرى بين طرفين غير متكافئين. كما أن الترويج للتفاوض المباشر على أنه الملجأ الوحيد أمامنا إذا أردنا إحداث تقدم، كفيل بأن يرفع سقف التوقعات لدى الجانب العربى. ولا بد هنا أن نتذكر ما قاله أوباما لمجلة تايم بعد مرور عام على توليه السلطة من أنه لو كان على علم بحجم مشكلات التفاوض حول أزمة الشرق الأوسط، لأحجم منذ البداية عن رفع سقف التوقعات. لا نريد منه أن يكرر نفس الخطأ، ولا نريد لأنفسنا أن نقع فريسة لأوهام جديدة.
أخيرا، فقد تردد أن عددا من أعضاء لجنة المبادرة قد أبدوا تحفظاتهم على الانتقال من المفاوضات غير المباشرة إلى المباشرة، بل أعلن مندوب سوريا أن اللجنة قد تجاوزت اختصاصها. مثل هذا التفاوت فى المواقف بين أعضاء اللجنة يمكن أن يلقى بظلاله على الدور المنوط أصلا بلجنة المبادرة، وربما ينال من مصداقيتها التى نُعلق عليها آمالا كبيرة فى تفعيل مبادرة السلام العربية، التى أصبحت بدورها من مرجعيات العملية السلمية، والتى تتم الإشادة باستمرار. ينطبق الحال أيضا على الموقف الفلسطينى، فهناك بوادر لحدوث خلاف فى الرأى بين فصائل منظمة التحرير الفلسطينية تجاه القرار الجديد، ناهيك عن الخلاف المستحكم بين السلطة وحماس والذى لن يزيده القرار إلا تأزما.

لقد سبق لكاتب هذا المقال أن أشار فى عدد سابق بجريدة الشروق إلى أن مرور الوقت لا يخدم إسرائيل، ولا يصب فى صالحها. الواقع أن توالى الأحداث يؤكد هذه الفرضية. ففى 27 يوليو الماضى وصف رئيس وزراء بريطانيا الجديد عن حزب المحافظين «ديفيد كاميرون» الوضع فى غزة بأنه أشبه «بمعسكر اعتقال» «a prison camp». من الطبيعى أن تثور ثائرة الإسرائيليين الذين حسبوا أنهم احتكروا هذا التعبير لأنفسهم فى وصفهم لمعسكرات الاعتقال النازية. ما أود قوله هنا هو أن علينا أن نتحلى بالصبر ونحرص على المثابرة فى تعاملنا مع إسرائيل. والخطر كل الخطر يكمن فى أن نلقى إليها بطوق نجاه ينقذها من عزلتها، أو يخفف من الضغوط التى تتعرض لها.

أخيرا، ربما يكون من المفيد الإشارة إلى التجربة المصرية التفاوضية مع إسرائيل، حيث حرصت مصر على أن تكون الولايات المتحدة شريكا كاملا وطرفا ثالثا فى كل مراحل المفاوضات المباشرة، سواء المتعلقة بمعاهدة السلام، أو بإقامة سلطة الحكم الذاتى فى الضفة الغربية وغزة. وبدوره حرص الوفد الأمريكى على أن يسهم بالأفكار التى قد تساعد على تضييق شقة الخلاف، وكانت كثيرة، وتقديم حلول وسط قد نقبلها أو نطورها أو نرفضها.

وأتصور أن اتباع هذا الأسلوب أى المطالبة بمشاركة أمريكية فى جلسات التفاوض المباشرة بين السلطة وإسرائيل، لا شك سيحرم إسرائيل من فرصة الانفراد بالجانب الفلسطينى والالتفاف حول المرجعيات التى لا زالت الولايات المتحدة متمسكة بها، وفى مقدمتها القرار رقم 242، وخريطة الطريق، وحل الدولتين، وعدم الاعتراف بضم القدس الشرقية، أو اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، ومعارضة الاستيطان، وكلها أمور ليست محببة تماما إلى نفْس إسرائيل!.

إيهاب وهبة مساعد وزير الخارجية الأسبق للشئون الأمريكية
التعليقات