حرب الاستنزاف.. وتباشير الانتصار - بشير عبد الفتاح - بوابة الشروق
الثلاثاء 8 أكتوبر 2024 1:21 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حرب الاستنزاف.. وتباشير الانتصار

نشر فى : الإثنين 7 أكتوبر 2024 - 6:40 م | آخر تحديث : الإثنين 7 أكتوبر 2024 - 6:40 م

ما كادت حرب الأيام الستة بين إسرائيل والعرب تطوى سجلاتها الأليمة، فى الحادى عشر من يونيو 1967؛ حتى أشعل المصريون مواجهات جديدة، أطلقت عليها الأدبيات الاستراتيجية الإسرائيلية «حرب الألف يوم»؛ فيما سماها الرئيس الراحل، جمال عبد الناصر، «حرب الاستنزاف».

بدأت وقائع تلك الملحمة التاريخية، التى توسطت هزيمة يونيو 1967، وانتصار أكتوبر 1973، عندما تقدمت المدرعات الإسرائيلية صوب مدينة بور فؤاد، أول يوليو 1967، بهدف احتلالها. بيد أن قوة من الصاعقة المصرية تصدت لها بنجاح، فيما عرف حينها بمعركة «رأس العش». وخلال الأشهر التالية، تصاعدت العمليات العسكرية على وقع رفض إسرائيل قرار مجلس الأمن رقم 242، الذى يدعوها للانسحاب من الأراضى العربية التى احتلها. ثم اتفاق العرب أثناء قمة اللاءات الثلاث بالخرطوم، نهاية أغسطس 1967، على رأب الصدع، وتقديم الدعم والمساندة لدول المواجهة.

قبل انقضاء يونيو 1967، أصدرت القيادة العسكرية توجيهات صارمة بشأن مرحلة إعادة التنظيم. بحيث يتم تصحيح العرف السائد منذ عام 1956 بارتداد الجيش، وعدم السماح لأى قائد بإعطاء أوامر بارتداد الأفراد أو المعدات من الخطوط الدفاعية. وقد سارعت القوات المسلحة، على امتداد الجبهة، بتنظيم دفاعاتها، بما تيسر لها من إمكانات، تضمنت 100 دبابة و150 مدفعا، بدأت تتزايد تدريجيا، إثر المساعدات العربية، إلى جانب تنفيذ الاتحاد السوفيتى بعض عقود صفقات التسلح المتأخرة. ومع نهاية العام 1967، استعادت القوات المسلحة زهاء 50% من كفاءتها المقررة. بموازاة ذلك، مهد لم الشمل العربى إبان مؤتمر القمة العربية بالخرطوم، لسحب القوات المصرية من اليمن، كى تتولى مسئوليتها الوطنية على الجبهة.

ببسالة وإصرار، توسعت القوات المصرية فى أعمال القتال البرية، ابتغاء تحقيق هدفين: أولهما، الانتقام من الغارات التى كان العدو يشنها ضد العمق المصرى، عبر إلحاق أكبر الخسائر بقواته. وثانيهما، كسر الحاجز النفسى، وزيادة منسوب الثقة لدى المقاتلين المصريين. فقد تم، بنجاح، تنفيذ 16 إغارة وكمين على طول الجبهة، علاوة على ثلاث إغارات فى العمق باتجاه الطور وإيلات. وقد آتت تلك التحركات أكلها، وأنزلت خسائر هائلة بقوات العدو، مما اضطره إلى تحجيم تحركاته إلى أدنى مستوى ممكن، حتى أنها لم تعد تتم، من دون تأمينها بمجموعات قتالية ضخمة، لم تسلم بدورها من نيران القوات المصرية.

•  •  •

بدأت الملحمة البطولية بمرحلة «الصمود»، التى امتدت من يونيو 1967 إلى أغسطس 1968، بهدف تسريع إعادة البناء، وترسيخ الهيكل الدفاعى على الضفة الغربية للقناة. ما يتطلب هدوء الجبهة حتى وضع خطة الدفاع موضع التنفيذ، بكل ما تتطلبه من أعمال التجهيز الهندسى. أما مرحلة «الدفاع النشط»، فقد استمرت خلال الفترة من سبتمبر 1968 إلى فبراير 1969، بغرض تنشيط الجبهة، والاشتباك مع القوات المعادية، بغية تقييد حركتها على الخطوط الأمامية فى الضفة الشرقية للقناة، وتكبيدها أفدح الخسائر فى الأفراد والمعدات. وبمجرد انتهاء تلك المرحلة، انكبت هيئة عمليات القوات المسلحة على وضع الخطط الهجومية الكفيلة بتحقيق الأهداف المرحلية المنشودة. مع مداومة تطويرها، طبقا لمختلف المستجدات والعوامل المؤثرة؛ وإعداد القوات المسلحة لتنفيذ الواجبات التى تضمنتها الخطة.

بحلول العام 1969، غدت قواتنا مستعدة لعمليات واسعة النطاق. وفى الثامن من مارس، أعلن، عبد الناصر، اندلاع حرب الاستنزاف، رسميا، بقصف مدفعى شامل على طول قناة السويس، وحرب جوية وبحرية وغارات للصاعقة. وخلال المدة من مارس 1969 إلى أغسطس 1970، تصاعد القتال إلى مرحلة جديدة أطلق عليها «التحدى والردع». شهدت عبور مجموعات والإغارة على قوات العدو، بقصد تكبيدها أكبر قدر من الخسائر فى الأفراد والمعدات، مفاقمة كلفة احتلاله سيناء، وإعداد الجيش المصرى، عمليا ومعنويا، لمعركة التحرير. واشتملت هذه المرحلة على بعض العمليات المهمة، التى كان لها مردود إيجابى هائل، محليا، عربيا ودوليا. كان أبرزها: معركة رأس العش مطلع يوليو، معارك القوات الجوية يومى 14 و15 يوليو، معارك المدفعية يوم 20 سبتمبر، إغراق المدمرة البحرية الإسرائيلية إيلات يوم 21 أكتوبر 1967.

اعتبارا من 20 يوليو 1969، بدأت المرحلة الثانية من حرب الاستنزاف بإشراك العدو سلاحه الجوى فى المعارك. مبتغيا قصف العمق المصرى بكثافة، لزيادة الضغط على الجماهير، ودفعها إلى الثورة على قيادتها لإيقاف حرب الاستنزاف، وإضعاف نظام عبد الناصر، أو الإطاحة به. وفى كتابه عن حرب الاستنزاف، يذكر المحلل الإسرائيلى، يزئيف شيف، أن النجاح العسكرى المصرى المبهر فى عملية لسان بور توفيق، هو الذى حسم الجدل داخل أروقة القيادة الإسرائيلية، بشأن حتمية تدخل الطيران  الحربى الإسرائيلى فى المعركة؛ بعدما كانت كل الآراء تصر على الاحتفاظ به للمواجهة الكبرى. حيث استهدف الإسرائيليون تقويض النشاط العسكرى المتنامى للمصريين، تدمير بعض الرادارات ونقط المراقبة الجوية، علاوة على ضرب الأعيان المدنية بالعمق المصرى. وقد افتتح العدو هذه المرحلة عبر «العملية بوكسر»، التى تضمنت تنفيذ 500 طلعة جوية قصفت 2500 قنبلة، بإجمالى 500 طن، على أهداف منتخبة خلال عشرة أيام. وهى: مواقع الدفاع الجوى والرادارات، مواقع المدفعية، تمركزات القوات على الجبهة. وقد تفاخر رئيس الأركان الإسرائيلى، وقتها، الجنرا، حاييم بارليف، بأنه خلال الفترة من 20 يوليو، وحتى 7 سبتمبر 1969، نفذت الطائرات الحربية الإسرائيلية ألف غارة، لإجبار المصريين على نشر قواتهم، وتقليص حشودها على جبهة القناة. وقد تواصل القصف الجوى الإسرائيلى العنيف طيلة الأشهر الأربعة الأولى من عام 1970. حيث صرحت، جولدا مائير، رئيسة وزراء إسرائيل، وقتئذ، لصحيفة «الفاينانشيال تايمز» البريطانية، يوم 6 يوليو 1970، بأن طائراتها كانت تسقط ألف قنبلة على المصريين يوميا.

ظهيرة الثلاثين من يونيو 1970، أتمت مصر بناء حائط الصواريخ، حيث تبوأت بعض كتائب الصواريخ مواقعها، من خلال تنظيم صندوقى لعناصر الدفاع الجوى، ابتكرته عقول مصرية فى قيادة الدفاع الجوى. ونتيجة لذلك، أخفق الطيران الحربى الإسرائيلى فى حرمان المصريين من إنشاء منصات للصواريخ على طول الجبهة. كما طفقت طائراته تتساقط كأوراق الخريف؛ فيما عرف، حينئذ، «أسبوع تساقط الفانتوم»، الذى وثق أول نكسة تنال من سمعة القوات الجوية الإسرائيلية. وبعد سنوات ثلاث من المواجهات الدامية، توقفت العمليات، بعدما طلبت إسرائيل من واشنطن التوسط لإنهائها، أملا فى وقف خسائرها الكثيفة والمتواصلة. وفى 7 أغسطس 1970، قبل الرئيس، عبد الناصر، والعاهل الأردنى، مبادرة «روجرز»، لوقف إطلاق النار؛ ومن ثم، طويت الصفحات المضيئة لحرب الاستنزاف.

•  •  •

بشهادة قيادات العدو، شكلت تلك الحرب أطول الحروب العربية -الإسرائيلية، وأشدها وطأة على جيشه ومجتمعه. فلقد كانت أول صراع مسلح، يضطره إلى الاحتفاظ بنسبة تعبئة عامة عالية، ولمدة طويلة. الأمر، الذى خلف آثارا سلبية على اقتصاده ومعنويات شعبه، الذى خدعته قياداته بادعائها أن حرب 1967 هى آخر الحروب. وتُقدّر الرواية العربية خسائر إسرائيل البشرية خلال حرب الاستنزاف، بألف ضابط وجندى. وفى عام 2019، أوردت مجلة «إسرائيل ديفينس» المهتمة بالشئون العسكرية، أن المصريين قتلوا 367 إسرائيليا وجرح 1000 آخرين. بينما فقد سلاح الجو الإسرائيلى 15 طائرة، كما قُتل العديد من طياريه وأُسر آخرون.

بمقاربة استراتيجية موضوعية، مهدت حرب الاستنزاف لنصر أكتوبر المجيد. فعسكريا، تمخض توقيع موسكو وواشنطن «اتفاقية الوفاق» عام 1972، عن تكريس حالة «اللاسلم واللاحرب»، التى رسخت بدورها مبدأ «الاسترخاء العسكرى فى الشرق الأوسط». حيث ألزمتهما استبقاء الوضع القائم، ومنع تصاعد التوترات فى المنطقة. أما سياسيا، فقد أجهض التعنت الإسرائيلى مساعى إدراك تسوية سلمية عادلة. ومن رحم ذلك الانسداد الاستراتيجى المُحبط، هب المصريون فى أكتوبر1973، لانتزاع انتصارهم التاريخى، الذى أجبر عدوهم، والعالم أجمع، على احترام إرادتهم.

 

التعليقات