تذكر أنك بشر - جلال أمين - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 2:14 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تذكر أنك بشر

نشر فى : السبت 7 نوفمبر 2009 - 9:50 ص | آخر تحديث : السبت 7 نوفمبر 2009 - 9:50 ص

 تعجبنى القصة التى تروى عن زعيم شهير ذهب يوما ليخطب بين الناس، فلما خرج إلى شرفة قصره ليبدأ خطابه، رأى الآلاف المؤلفة من الناس قد اجتمعت أمام القصر وهى تهتف باسمه، وتحمل صوره، وترفع اللافتات المؤيدة له، فامتلأ الرجل إعجابا بنفسه وصدق أنه بالفعل فريد فى نوعه، ووحيد عصره، ودرة زمانه، فاقترب منه واحد من أفراد حاشيته المقربين وهمس فى أذنه: «تذكر أنك بشر!».

ليس من السهل أبدا الأخذ بهذه النصيحة، أى أن يتذكر المرء فى مثل هذه المواقف أنه ليس إلا شخصا عاديا، وضع فى ظروف استثنائية لا فضل له فيها. فالإنسان ضعيف، بل وضعيف جدا، ومن أوجه ضعفه الكثيرة استعداده المستمر لتصديق ما يحب أن يكون صحيحا حتى ولو كان أبعد ما يكون عن الحقيقة.

ألاحظ هذا فى نفسى كما ألاحظه فى غيرى. أنا أستاذ فى الجامعة، وقد لاحظت أنه إذا جاء إلى مكتبى بالجامعة، فى يوم واحد خمسة أو ستة طلاب، الواحد بعد الآخر، قبيل أحد الامتحانات، وهم فى حالة خوف يزيد على المعتاد بسبب قرب الامتحان، فيسألنى أحدهم سؤالا فأجيبه، ويستفهم آخر عن شىء يتعلق بالامتحان فأوضحه له، ويطلب ثالث طلبا أوافق عليه رأفة بحاله، فيعبر الواحد منهم بعد الآخر عن شكره وامتنانه بلهجة مبالغ فيها بسبب ضعف مركزهم بالنسبة لمركزى، لاحظت أنى فى مثل هذه المواقف تعترينى لبعض الوقت درجة لا يستهان بها من الإعجاب بالنفس والغرور، إذ أصدق ما قيل لى واعتبره صادقا لمجرد أنى أحب أن يكون كذلك.

تخطر بذهنى أفكار من هذا النوع عندما أرى صورا كثيرة من الزعماء والرؤساء، خاصة من رؤساء العالم الثالث. إذ يحيطهم الناس بأشكال لا حصر لها من الثناء والنفاق، ويبدو من صورهم وسلوكهم أنهم يصدقون بالفعل ما يسمعون.
وكان لابد أن تمر بذهنى هذه الأفكار وأنا أشاهد صور أمين لجنة السياسات بالحزب الوطنى، الذى هو فى نفس الوقت نجل رئيس الجمهورية، بمناسبة انعقاد المؤتمر الأخير للحزب.

ما أسهل على شاب مثله أن يصدق أنه هو أيضا فريد عصره ودرة زمانه ليس فقط لأنه صغير السن وقليل الخبرة بالحياة بالمقارنة بكل من حوله، وبمن احتل منصبا كمنصبه، بل ولأنه أيضا تمتع منذ نعومة أظافره بمعاملة مختلفة تماما عما حظى به أى طفل آخر فى مصر، سواء من حيث نعومة العيش أو من حيث الاهتمام المبالغ فيه من المحيطين به، واستعدادهم لتلبية أى رغبة قد تطرأ على باله، إذ كان والده دائما رئيسا للجمهورية أو على الأقل نائبا لرئيس الجمهورية. ها هو الابن يسير الآن وخلفه وزراء، بل ورئيس للوزراء، ومثقفون كبار، يصغون باهتمام بالغ إلى أى عبارة تصدر عنه، ويبدون له إعجابهم بكل ما يقول وكأنه لا ينطق إلا بالحكمة، والجرائد الحكومية تشيد بتصريحاته وتنشرها فى صفحاتها الأولى فلابد أنها عميقة ومهمة.

لا عجب إذن إن روى عنه أنه قال منذ أيام قليلة، أثناء مؤتمر الحزب الوطنى، أنه «ليس أعظم شخص فى مصر». والعبارة صحيحة بلا شك، ولكن المؤسف أنه قالها من باب التواضع فقط، ولا بد أنها أيضا أثارت من جانب المحيطين به عبارات الاستحسان وابتسامات الإعجاب.

فى ظل هذا كله، إذا قيل له «إنك أصلح من يمكن أن يخلف والدك فى رئاسة الجمهورية»، فكيف نتصور أنه سيعترض؟

جلال أمين كاتب ومفكر مصري كبير ، وأستاذ مادة الاقتصاد في الجامعة الأمريكية ، من أشهر مؤلفاته : شخصيات لها تاريخ - ماذا حدث للمصريين؟ - عصر التشهير بالعرب والمسلمين - عولمة القهر : الولايات المتحدة والعرب والمسلمون قبل وبعد أحداث سبتمبر.
التعليقات