لم تعد الآثار السلبية للتغيرات المناخية تحتاج إلى أدلة أو براهين، فقد أصبحت شيئا ملموسا، فظواهر التصحر ونقص المياه، وجفاف الأنهار والفيضانات، وارتفاع درجات الحرارة وذوبان الثلوج واختفاء كائنات، وارتفاع منسوب مياه البحار والمحيطات، تتوزع على مساحة الكرة الأرضية، وطالت بلدان الشمال الغنية، ودويلات الجنوب الفقيرة على السواء، فالجميع يبحر فى قارب تتربصه العواصف، وتتهدده الأنواء إذا لم يتم إعادة تأهيل كوكب جار عليه البشر بعدم احترامهم للطبيعة التى وهبها الله للإنسان.
ومع تواصل أعمال قمة الأمم المتحدة للتغير المناخى فى مدينة شرم الشيخ فى دورتها الـ 27 بمشاركة أكثر من 100 رئيس دولة وحكومة ومسئول يمثلون أكثر من 197 دولة، يبقى التحلى بروح المسئولية وتحمل البلدان والشعوب تبعات العبث بالطبيعة، وعدم التهرب من تحمل تكلفة «الخسائر والأضرار» الناجمة عن انبعاثات الكربون من مداخن مصانع شرهة للطاقة غير النظيفة منذ بدء الثورة الصناعية فى أوروبا وحتى الآن.
اليوم لا يحتاج المجتمعون فى شرم الشيخ، خصوصا فى المنطقة الزرقاء التى تضم القادة والزعماء ورؤساء الحكومات وممثلى الجهات والهيئات الرسمية، إلى من يلفت نظرهم لحجم التحديات التى تواجه كوكبنا بفعل الأنانية والتمسك بنمط تنموى معادٍ للبيئة والتنوع البيولوجى، كل همه تراكم الأرباح فى جيوب الأغنياء فى الدول الكبرى، على حساب لقمة عيش الفقراء فى البلدان الأقل نموا، والأضعف قدرة على مواجهة الكوارث والملمات التى تأتى انعكاسا للملوثات.
ومع تشابك «الفصول الأربعة» بتعبير البعض، وما تبعه من انقلاب فى الظروف المناخية هل سنجد تحركات جديدة لتنفيذ وعود قطعت فى نسخ سابقة لمؤتمر المناخ الذى يعقد سنويا؟ وهل ستكون قمة شرم الشيخ «نقطة فارقة» كما تعول مصر الدولة المضيفة والتى بذلت جهودا مضنية، على مستوى التحضير والتنظيم لهذا الحدث الدولى الكبير؟
ترفع قمة شرم الشيخ أو «COP27»، شعار «الانتقال من الوعود إلى التنفيذ»، وأن يحصل ضحايا ملوثات الكبار على التعويض الواجب، وأن يفى الملوثون العظام بوعد تقديم 100 مليار دولار سنويا لتمويل خطط التكيف والتخفيف من آثار التغيرات المناخية فى الدول النامية والفقيرة... هذا هو «مربط الفرس» الذى سيكون غدا الأربعاء محل جدل ونقاش وسط المجتمعين فى لقاء «التمويل» وهو اليوم الذى سيكشف عن مدى جدية المتفاوضين لإنقاذ السفينة عبر حزم مالية لتمويل الاقتصاديات الخضراء.
التلكؤ فى تحمل المسئولية، والمساومة، بل والتنصل من دفع الدول الصناعية الكبرى تكلفة ما صنعته ملوثات نموها على حساب الفقراء والمهمشين، ربما ستكون كلفته فى المستقبل عشرات أضعاف ما نحتاجه اليوم، فحسب تقرير للبنك الدولى فإن «عدم التحرك بسرعة كافية للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى قد يعنى زيادة هائلة فى التكاليف قد تبلغ نحو 178 تريليون دولار على مدى الأعوام الخمسين المقبلة.
قد تتعلل الدول الغنية وخاصة فى الشمال الأوروبى، بأنها تواجه فى الوقت الراهن تحديات اقتصادية صعبة كتداعيات لجائحة كورونا وأزمة ارتفاع أسعار الطاقة وتمويل كلفة الحرب الروسية ــ الأوكرانية، وربما تدير بعض البلدان ظهرها للفقراء والمستضعفين فى الأرض من شعوب البلدان النامية، غير أن المسئولية الأخلاقية والالتزامات القانونية طبقا للاتفاقيات المعنية بالتغيرات المناخية تفرض على من صنعوا الأضرار التعويض عنها.
الرهان الأكبر على قمة المناخ فى شرم الشيخ هو الوصول إلى توافقات واتفاقات تلزم الدول الصناعية الكبرى بدفع ما وعدت به على الأقل، إن لم يرتفع مبلغ الـ 100 مليار دولار، وأن يفى الصغار والكبار بخططهم واستراتيجياتهم الوطنية فى تنفيذ البرامج التى تسهم فى إنقاذ الأرض من التهلكة.. فالقضية «حياة أو موت» بتعبير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش.