فى أدبيات السياسة، الحوار هو استطلاع لرأى أطراف المعادلة السياسية بمختلف تنوعاتها، فى قضية مفصلية تحتاج إلى تشاور، وتطرح وجهات النظر المختلفة على المجتمع المستهدف لإقناعه بإحداها أو الوصول إلى حلول مرضية لا ينتج عنها شقاق أو شرخ يؤثر على سلامة المجتمع.
«تعديل قوانين الانتخاب» من القضايا المفصلية التى تحتاج إلى حوار بين أطراف المعادلة السياسية، ونأمل أن ينتهى بتوافق لإجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة بطريقة تضمن تمثيلا حقيقيا لكافة الأطراف، ليجنبنا ما جرى فى انتخابات 2015 التى انتهت بتشكيل برلمان «دعم السلطة» الذى مرّر قوانين واتفاقيات وتعديلات دستورية تصب كلها فى خانة إبقاء الوضع على ما هو عليه.
حزب الأغلبية بالبرلمان «مستقبل وطن» دعا قبل أيام عددا من الأحزاب للمشاركة فى جلسات حوار لمناقشة قوانين الانتخاب، انعقدت الجلسة الأولى الأسبوع الماضى، ورغم ما تعرض له ممثلو بعض تلك الأحزاب من هجوم إلا أنهم شاركوا فى الجلسة.
لم تنقل وسائل الإعلام مداخلات المتحاورين، واكتفت بنقل كلمات متفرقة لممثلى الأحزاب من عينة «مصلحة مصر» و«إثراء الحياة السياسية» و«ضرورة التوافق»، وهو ما يضع علامات استفهام حول جدوى هذا الحوار الذى لم يرد له أصحاب القرار الأصليون الخروج للعلن.
ونتيجة للحصار الذى فرض على كلمات بعض ممثلى أحزاب المعارضة داخل هذا الحوار، نشر فريد زهران رئيس الحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى كلمته على صفحة الحزب بـ«فيسبوك»، أوضح فيها أنه شارك فى الحوار رغم معارضة قواعد حزبه التى تحمّل السلطة وجناحها الحزبى الذى يمثله «مستقبل وطن» مسئولية إغلاق المجال العام وحصار الأحزاب السياسية وحبس كوادرها.
ووجه زهران سؤاله إلى رئيس «مستقبل وطن»: أين موقف حزبكم من حبس عشرات الشباب على خلفية آرائهم ومواقفهم السياسية؟.. شباب كانوا رموزا لمواجهة الإرهاب والإخوان، يحبسون اليوم. مستدركا: «إذا لم يشهد المناخ السياسى درجة من الانفراج الديمقراطى فلا يمكن الحديث عن انتخابات تعكس إرادة الناخبين، فكيف نتحدث عن انتخابات ديمقراطية وهناك سجناء على ذمة قضايا رأى؟».
وأبدى رئيس «المصرى الديمقراطى الاجتماعى» تشككه فى أن يكون الغرض من دعوتهم للحوار هو تجميل المشهد «ديكور» حتى يقال إن الأحزاب شاركت فى مناقشات تعديل قوانين الانتخاب، مثلما حدث مع التعديلات الدستورية.
ورغم ذلك شارك زهران ومعه عدد من قادة الأحزاب فى هذا الحوار عسى أن يكون لدى السلطة وجناحها البرلمانى رغبة صادقة فى الإصلاح كما بشر البعض «ما زلنا نحمل الأمل فى أن تنجو بلدنا من أزمتها وتعود لرشدها، وترجع لمسار التحول الديمقراطى الذى ابتعدت عنه كثيرا فى السنوات السابقة، بكل أسف».
زهران ومن معه اعتبروا أنه لا جدوى من الحوار قبل أن تشرع السلطة فى الإفراج عن كوادر الأحزاب المحبوسين، «لا يمكن أن يكون هناك سجناء على ذمة قضايا رأى وفى نفس الوقت نتحدث عن انتخابات.. كيف أتحدث مع أعضاء حزبى عن انتخابات وهناك زملاء لنا فى السجن؟».
وعدّد زهران بعض النماذج التى تم حبسها لمجرد أنها بحثت المشاركة فى الاستحقاق الانتخابى المقبل تحت مظلة تحالف جديد أطلقوا عليه «تحالف الأمل»، وصوره إعلام السلطة على أنه «خلية تشارك جماعة إرهابية فى تحقيق أهدافها، وتنشر أخبارا كاذبة».
بعض نماذج المحبوسين الذين أشار إليهم زهران فى حديثه، هم زياد العليمى نائب رئيس «المصرى الديمقراطى»، والصحفى حسام مؤنس والمهندس عبدالعزيز الحسينى القياديين بحزب الكرامة، والصحفى هشام فؤاد، والبعض الآخر قبض عليه فى هوجة 20 سبتمبر وما تبعها مثل الصحفى خالد داود رئيس حزب الدستور السابق، وعبدالناصر إسماعيل نائب رئيس حزب التحالف الشعبى.
« نحن بحاجة لمناخ مختلف تجرى فيه الانتخابات، وإذا لم يوجد هذا المناخ أشك كثيرا فى أن الانتخابات ستعكس إرادة الناخبين» قال زهران.
من جهتى أضم صوتى إلى صوت زهران، فلا حديث عن انتخابات ولا قوانين ولا سياسة وكوادر الأحزاب والنقابات فى السجون، فالخطوة الأولى قبل أى حوار هى إطلاق سراح أعضاء الأحزاب والنقابات المؤمنين بالتغيير السلمى والعمل السياسى، حينها لا مانع من الحوار ومن ثم الاتفاق على الخطوة التالية.
إذا كانت السلطة جادة فعلا فى إجراء حوار يهدف إلى تصحيح المسار فعليها بالخطوة الأولى، وإلا سيكون الحوار كالنفخ فى قربة مقطوعة.