حسم العرب، أخيرا، أمرهم، وقرروا استعادة سوريا مقعدها فى جامعة الدول العربية، لتستأنف وفود الحكومة السورية المشاركة فى اجتماعات مجلس الجامعة وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها اعتبارًا من الأحد 7 مايو 2023، وأصبح حضور الرئيس السورى بشار الأسد القمة العربية المقررعقدها فى الرياض 19 مايو الجارى أمرا ممكنا «إذا ما رغب» على حد قول الأمين العام للجامعة العربية السيد أحمد أبو الغيط.
البيان الختامى للاجتماع الاستثنائى لمجلس الجامعة العربية على المستوى الوزارى الذى اتخذ خلاله قرار عودة سوريا اشتمل على تفاصيل عديدة عما سيتخذه العرب من «خطوات» وما يجب على سوريا أن تتخذه بدورها من «خطوات» عملية وفاعلة للتدرج نحو حل الأزمة، وفق مبدأ «الخطوة مقابل الخطوة»، بما يتيح إيصال المساعدات الإنسانية لكل محتاجيها فى سوريا.
المهم أن القرار، وفق البيان الختامى، جاء «انطلاقا من حرص الدول الأعضاء على أمن واستقرار الجمهورية العربية السورية وعروبتها وسيادتها، ووحدة أراضيها وسلامتها الإقليمية والمساهمة فى إيجاد مخرج للأزمة السورية يرفع المعاناة عن الشعب السورى الشقيق، وبما يحقق تطلعاته المشروعة فى الانطلاق نحو المستقبل، ويضع حدا للأزمة الممتدة التى تعيشها البلاد وللتدخلات الخارجية فى شئونها، ويعالج آثارها المتراكمة والمتزايدة من إرهاب ونزوح، ولجوء، وغيرها».
وكان منطقيا أن تتلقى دمشق قرار عودتها للحضن العربى الرسمى «باهتمام» كونه يصب «فى مصلحة كل الدول العربية، وفى مصلحة تحقيق الاستقرار والأمن والازدهار لشعوبها «بحسب بيان للخارجية السورية الذى أكد على أن المرحلة المقبلة تتطلب «نهجا عربيا فاعلا على الصعيدين الثنائى والجماعى، يستند إلى الحوار والاحترام المتبادل».
نحن إذن أمام التزامات متبادلة من الأطراف التى شاركت فى اتخاذ قرار عودة سوريا للجامعة العربية من جانب، ودمشق التى طالبت «بنهج عربى يستند إلى الحوار والاحترام المتبادل»، من جانب آخر ولعل ما بين السطور يعكس جانبا مما يدور فى الكواليس، حيث تحفظت عواصم، ورحبت أخرى، دع عنك الموقف الأمريكى «المشكك» فى رغبة الأسد فى حل الأزمة السورية وفق تصريحات المتحدث باسم الخارجية الأمريكى.
وإذا كانت واشنطن قد اختزلت عودة سوريا بفتح مسار أوسع أمام الدول العربية لممارسة المزيد من الضغط على دمشق، فإنه من باب تحصيل الحاصل ترحيب روسيا، الحليف المهم للنظام السورى، بالقرار العربى الذى اعتبرت خارجيتها أنه «خطوة» ستسهم فى «تحسين الأجواء فى الشرق الأوسط»، داعية العرب لدعم سوريا فى عملية إعادة الإعمار.
اليوم وبعد إلغاء العرب رسميا قرار تجميد عضوية سوريا فى الجامعة، والذى تم اتخاذه خلال اجتماع طارئ بالقاهرة فى نوفمبر 2011، لا يمكن اعتبار القرار عصا سحرية لحل أزمات المنطقة، من قتل ودمار وإرهاب وحروب أهلية أتت على الأخضر واليابس، لكنه بارقة أمل فى أن تستعيد شعوبنا جزءا من أمنها واستقرارها المفقود على مدار تجاوز العقد من السنوات العجاف.
وفى ظنى أن قرار استرداد سوريا مقعدها فى الجامعة العربية، وعلى الرغم من أنه احتياج عربى وسورى فى آن واحد، إلا أنه غير بعيد عن ضغوط أمريكية وأوروبية، ومن دول الجوار السورى، لفتح الطريق أمام عودة ملايين اللاجئين السوريين إلى ديارهم، وينتظر أن تشهد، الأسابيع المقبلة، ولا نقول الشهور، الحديث بكثافة عن تلك العودة، عقب أن شكلت قضية اللاجئين مشكلات وأعباء على دول مثل تركيا والأردن وألمانيا والعديد من البلدن الأوروبية الأخرى.
وبالضرورة ستواجه الحكومة السورية ضغوطا هائلة فى هذا الملف الشائك، الذى يتطلب مساندة عربية جادة، تضمن الحد المقبول من العيش الكريم للعائدين من المنافى القهرية، وألا تستغل بعض الأطراف التى ساهمت فى تدهور الوضع السورى، بل وتلطخت أياديها بالدماء، ورقة اللاجئين فى تحقيق مآرب أخرى، وحتى تمثل العودة السورية لمحيطها العربى مفتاحا لبدء علاج مشكلات مزمنة دفع المواطن العربى، ولا يزال، فاتورتها الكاملة.