ما أتعسها مقايضة: ظهور مبارك فى قفص المحاكمة مقابل حبس الثورة فى الادراج والتعامل كأن شيئا لم يكن.
إن حركة المحافظين الأخيرة تمثل دليلا إضافيا على أن كل شىء على قديمه، وكأن الذى وزع الحصص هو حسنى مبارك شخصيا، وبالمقادير القديمة ذاتها، للواءات الثلثان، والثلث الباقى يوزع بين الفلول وبعض الوجوه المحسوبة على المعارضة كنوع من الديكور.
ومن الظلم أن تتجه سهام النقد إلى عصام شرف على هذه الاختيارات، فهو الحاضر الغائب، أو أنه يأتى فى موقع «اسم الفاعل» وليس «الفاعل» فى جملة ركيكة خارج السياق كالعادة، وقد قرر الرجل الرضا بالمقسوم وبحدود الدور والمساحة، رغم أنه الوحيد تقريبا من بين رؤساء وزراء مصر الذى توفرت له قاعدة شعبية كاسحة قبل أن يبدأ.. وهنا المفارقة: الرجل الذى جاء به ميدان التحرير رئيسا للوزراء يصمت أمام مناصبة ميدان التحرير العداء والتلمظ.. والصمت كما تعلمون علامة رضا، وأحيانا علامة قلة حيلة.
وإذا كانت اختيارات المحافظين هذه المرة جمعت بين الكوميديا والأكشن والعنف فإن الجزء الكوميدى من المسألة يخص عصام شرف ونوابه ومستشاريه الذين اتحفونا بتصريح مضحك للغاية وقبل أن يؤدى المحافظون اليمين بأن الاختيار تم على أساس الكفاءة، على الرغم من أن أحدا من هؤلاء لم نسمع أنه اشتغل محافظا قبل ذلك حتى نحكم عليه، وغنى عن البيان أن الكفاءة حكم تقييمى لاحق لأداء المهمة وليس سابقا لها.
ولعل ما كشفت عنه الشقيقة «التحرير» فى عددها أمس عن محافظ الدقهلية الجديد بوصفه الفلول أبوالفلول، ما يكفى لأن يشير بوضوح إلى أن ثمة إصرارا على الاستخفاف بهذه الثورة، والتعامل معها باعتبارها خصما أحيانا.
فما معنى أن تضيق الأرض بما رحبت على عصام شرف والمجلس العسكرى فلا يجدان من يصلح محافظا للدقهلية سوى لواء خاض به الحزب الوطنى المنحل معركة انتخابات برلمانية ضد النائب المشاغب محمد عبدالعليم داوود فى كفر الشيخ، وابن ضابط شرطة هو أحد المشرفين على صفحة «احنا آسفين يا ريس» ولا يرى ــ حسب التحرير ــ فى الثوار والشهداء إلا مجموعة من الكلاب ويتوق إلى تقبيل يد الرئيس المخلوع؟
إن العقل لا يستطيع أن يتصور أن يكون هذا المحافظ اختيار السيد المشير والمجلس العسكرى، خصوصا مع تكشف محاولة المخلوع ومحاميه توريط المشير شخصيا فى قضية قطع الاتصالات والتعامل الدموى مع الثوار.
كما أن القلب يرفض تصديق أن يكون اختيار عصام شرف، فالرجل مهما بلغت درجة رضاه بالمقسوم لا يتخيل أبدا أن يترك آلاف الاختيارات الأخرى ويصطفى هذا المحافظ.
إن حركة المحافظين ضمت أيضا واحدا من الصحفيين الوطنيين الشرفاء هو الصديق الناقد الأدبى الدكتور عزازى على عزازى محافظا للشرقية، وفى حدود علمى لم يسبق للدكتور عزازى أن عمل فى مجال الإدارة والحكم المحلى، فكيف يقال لنا إن «الكفاءة معيار التكليف».
ويبدو هذا الاختيار غريبا، على الرغم من أنه بمعيار قبلى وشخصى ينبغى أن أهلل له وأسانده، لكن الموضوعية تفرض السؤال ما العلاقة بين رجل قضى حياته منشغلا بالكتابة الصحفية ونقد قصيدة النثر وبين عمل تنفيذى يهتم بمشاكل الصرف الصحى؟
ودونما مصادرة على المستقبل أتمنى أن ينجح الدكتور عزازى فى مهمته العجيبة!