نفاق غربى وعجز عربى - طلعت إسماعيل - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 9:57 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نفاق غربى وعجز عربى

نشر فى : الثلاثاء 8 سبتمبر 2015 - 7:20 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 8 سبتمبر 2015 - 7:20 ص

«وصمة عار فى جبين الإنسانية» تعليق شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب على صورة الطفل السورى الغريق على سواحل تركيا إيلان الكردى، وهى الصورة نفسها التى أبكت وزيرة خارجية السويد مارجوت فالستوم، وحركت مشاعر العالم شرقه وغربه، بعد أن جلست دول كبرى وصغرى تتفرج على أشلاء آلاف السوريين، والمتاجرة بقضية ملايين اللاجئين.

هب قادة الغرب، الذين يضعون نصب أعينهم عادة صندوق الاقتراع، لتحريك المياه الآسنة فى بحيرة تجاهل أزمة النزوح الجماعى من سوريا، صوب اللامكان أحيانا، ليموت المئات منهم منتحرين قرب رمال السواحل الأوروبية، وشاهدنا تنابزا بالمواقف وسط العواصم الغربية، وكل يحاول إلقاء العبء على الآخر، بعد أن ظنت تلك العواصم أن نيران الدواعش لن تصل شوارعها.

ساهم الغرب وعلى رأسه أمريكا وحليفتها المطيعة بريطانيا فى صنع المأساة التى نعيشها عندما ذهبت الدولتان، ومعهما ما سمياه «تحالف الراغبين» إلى العراق غازين، من دون أى تفويض من الأمم المتحدة، تحت لافتة كاذبة هى البحث عن أسلحة الدمار الشامل التى لم يثبت وجودها أبدا، فانقلبت المهمة إلى مطاردة تنظيم القاعدة الذى صنعته واشنطن بالأساس لتفجير أفغانستان نيابة عنها، لندخل فى «الفوضى الخلاقة» للدمار والقتل المنظم.

فتح غزو العراق مارس عام 2003 الباب أمام تقسيم العراقيين وتدمير بلدهم على أوسع نطاق، بعد أن حل الحاكم الأمريكى لبلاد الرافدين بول برايمر، الجيش العراقى، لتسهل مهمة الميليشيات وعصابات القتل والإجرام فى نقل العراق لا إلى الديمقراطية التى روج لها كذبا الرئيس الأمريكى السابق جورج دبليو بوش، وإنما إلى مجاهل القرون الوسطى الغربية التى قدمت أسوأ الصور لانحطاط الإنسان فى القارة الأوروبية.

أنهى الأمريكيون وحلفاؤهم البريطانيون المهمة التدميرية فى العراق بنجاح تام، فانتقل العطاء إلى سوريا، وشاهدنا صناعة الدمى المعارضة، كما تم مع العراق قبل سقوط صدام، وعندما فشلت تلك الدمى فى إحداث المطلوب، قفز الدواعش إلى صدارة المشهد، ليتم الذبح بما لا يحل الله، وكله حسب الرغبة الغربية، التى بدأت تغض الطرف عن تدفق فائض العنف لديها إلى معسكرات داعش فى سوريا والعراق.

اليوم يعايرنا الكاتب البريطانى روبرت فيسك بأن بلاده مازالت «فكرة الإنسانية فيها على قيد الحياة»، ويتساءل: «لماذا لا يبحر اللاجئون إلى جدة»، و«لماذا عواصم الغرب أقرب لهؤلاء من السعودية»، ويتجاهل فيسك وأمثاله أن الغرب نفسه، بما صنعه فى المنطقة على مدى سنوات طويلة، جعل قوارب اللجوء تبحر غربا وليس شرقا، هربا من الجحيم الذى ساهم أبناء جلدته فى خلقهم.

نعم يا سيد فيسك، كان الأولى أن تتوجه قوارب اللجوء إلى السواحل العربية، لكن العجز الذى أوصلتمونا إليه، بمساعدتكم للفسدة والمفسدين على مر السنين، هو المسئول عن أن تضل القوارب وجهتها، وكى تتاجر بعض العواصم «بحنية القلب» المنافقة على الغرقى والمشردين على حدود أوروبا، التى يسعى قادتها اليوم لكسب ود الرأى العام المحلى قبل الدولى بمد يد المساعدة لبضع آلاف من اللاجئين.

نعم يا سيد فيسك، أنتم من «أفسد واعتدى على مسلمى المنطقة، ومن دعم الطغاة الأشرار فيها، لامتصاص كنوز النفط والغاز الطبيعى»، فلا تحاول اليوم أن تعايرنا بأن بلادك هى من يبكى اللاجئين الفارين من جحيم الشرق الأوسط، ولا تحاول أن تعزف لحنا مغايرا لموجة النفاق التى دبت فى الفضاء الغربى على حساب العجز العربى.

التعليقات