اﻷولويات الحقيقية للحكومة - سلمى حسين - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 9:46 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

اﻷولويات الحقيقية للحكومة

نشر فى : الخميس 8 أكتوبر 2015 - 7:30 ص | آخر تحديث : الجمعة 9 أكتوبر 2015 - 6:33 م

المحاكم أولا ثم تنمية إقليم قناة السويس ثم الشرطة. تلك هى بالترتيب أهم ثلاث أولويات لدى الإنفاق الحكومى هذا العام. قد لا تكون تلك مشكلة فى حد ذاتها. المشكلة هى أن الخطاب الحكومى الرسمى لا يقر بهذه الأولويات، وبالتالى لا نسمع مبرراته فى اختيارها. فنحن لم نسمع من رئيس الوزراء أو أى من وزراء حكومته شيئا عن اختيار تلك القطاعات لاستقبال الزيادات الأكبر فى الأموال المخصصة إليها من جيوب دافعى الضرائب «والتى يقيسها معدل النمو الحقيقى فى الإنفاق الحكومى». كما لم تشملها لا من قريب ولا من بعيد أى من الوثائق المعنية بالخطة والموازنة للعام المالى الحالى ٢٠١٥ــ٢٠١٦.

للغرابة، كل تلك الوثائق تتحدث عن أولويات من نوع آخر. هذه هى عينة من الوثائق الحكومية الرسمية التى صدرت هذا العام لشرح خطط التنمية والاستثمار والإنفاق الحكومى، والتى صدر بعضها فى شكل قوانين واجبة النفاذ على الحكومة:
«يأتى مشروع الموازنة للعام المالى ٢٠١٥ــ٢٠١٦ استكمالا لتحقيق عدد من الأهداف الاقتصادية والاجتماعية التى تسهم فى رفع مستوى معيشة المواطنين وتحسين جودة حياتهم، وذلك من خلال إحداث تحول فى منهجية إدارة الاقتصاد، وتحقيق الاستغلال الأمثل لموارد هذا الوطن، وإعادة ترتيب أولويات الإنفاق العام بما يحقق طفرة فى مستوى الخدمات العامة الأساسية المقدمة للمواطنين وفى برامج الحماية الاجتماعية»، البيان المالى، يونيو ٢٠١٥.

ويترتب على ذلك إحداث تحول جذرى فى المسار الاقتصادى للبلاد متبعا لمنهج النمو الاحتوائى والعدالة الاجتماعية والذى يرى أن ارتفاع معدل النمو لا يترجم تلقائيا فى رفاهية الأفراد والمجتمع، بل يجب أن يكون مصاحبا معه إجراءات وسياسات تهدف إلى عدالة توزيع ثمار النمو على شرائح النمو المختلفة» مقدمة وثيقة الخطة، يونيو ٢٠١٥.

طفرة وتحول جذرى؟

قامت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية من خلال حملة أطلقتها أخيرا بعنوان «أين تذهب أموالك هذا العام» بمقارنة أولويات الإنفاق العام قبل وبعد الثورة «العامان الماليان ٢٠١٠ــ٢٠١١ و٢٠١٥ــ٢٠١٦، الأولويات مقاسة بالحجم النسبى للإنفاق العام على كل قطاع كنسبة من إجمالى المصروفات العامة» لتكتشف التالى: لم يحدث أى تغير «جذرى» أو أى «طفرة» فى نمط الإنفاق الحكومى. وظل نصيب الإنفاق على الصحة وعلى التعليم وعلى الشباب والرياضة شبه ثابت من إجمالى الإنفاق العام. بل وحتى قطاع الإسكان والمرافق ظلت نسبته هى نفسها قبل الثورةــ نحو ٣ فى المائةــ وذلك على الرغم من الخطاب الرسمى حول زيادة وحدات الاسكان الاجتماعى وزيادة مشروعات المياه والصرف والكهرباء.

وفى الحقيقة كان النصيب الأكبر من الزيادة الحقيقية فى الإنفاق الحكومى «نحو ٦ فى المائة» موجها لقطاع الخدمات العامة الذى يشمل دواوين الوزارات والرئاسة والجهاز المركزى للمحاسبات «ومجلس النواب فى حالة وجوده». ويلتهم هذا البند وحده أكثر من ثلث المصروفات الحكومية، وهو مبلغ يزيد عن ضعف ما تنفقه الحكومة هذا العام على التعليم والصحة معا.

صحة وتعليم أقل؟

ماذا ستقول إذا ما علمت أن الإنفاق على التعليم والصحة قد انخفض فعليا «بمعنى عندما نأخذ معدل التضخم بعين الاعتبار» عن العام الماضى؟ إذا كان مفهوم العدالة الاجتماعية ظل ملتبسا فى مصر، إلا أن هناك إجماع من الجميع، حكومة وشعبا، على أن الاهتمام بالتعليم والصحة هو حجر أساس العدالة الاجتماعية. وإذا اتخذنا من الإنفاق الحكومى معيارا للتحقق من مدى قدرة الحكومة على تحويل الأمانى إلى أفعال، لوجدنا تناقضا كبيرا بين ما تقوله الحكومة وما تخصص له الحكومة الموارد حتى لا يصبح ما تقوله مجرد حبر على ورق.

فوفقا لجداول الموازنة العامة هذا العام المنشورة على موقع وزارة المالية، انخفضت القيمة الحقيقية للإنفاق على التعليم وعلى الصحة. نعم. خفضت الحكومة الإنفاق الحقيقى على الصحة والتعليم، على عكس ما وعدتنا ــ نحن الشعب دافع الضرائب وعلى عكس ما تقول فى بياناتها الرسمية. وفى المقابل، حظيت تلك القطاعات الثلاث المذكورة فى بداية المقال (المحاكم وتنمية إقليم السويس والشرطة) بأكبر معدل نمو حقيقى فى نصيبها من الموازنة هذا العام، بعد استبعاد أثر التضخم (الحسابات لاستبعاد أثر التضخم مأخوذة من بيانات الرقم القياسى لأسعار المستهلك على موقع الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء). وتجدر ملاحظة أن النمو فى موازنة الاسكان والمرافق موجه معظمه للاستثمار فى إقليم القناة، بحسب بيانات الخطة، بينما كان نصيب تطوير العشوائيات يقل عن 1 فى المائة من الإنفاق على هذا القطاع. لماذا لا تشرح الحكومة أولوياتها الحقيقية؟ ولماذا تخالف الحكومة الدستور؟

نجد أن الحكومة قد تخلفت عن مواكبة الزيادات السنوية التى فرضها الدستور فيما يتعلق بنسب الإنفاق على التعليم وعلى الصحة كى تلحق بنسب الإنفاق العالمية. فمن ناحية، استقرت نسبة الإنفاق على التعليم عند 4 فى المائة من الناتج القومى، بدلا من أن تزيد تدريجيا لتصل إلى النسب العالمية خلال ثلاث سنوات.

أما فى قطاع الصحة، فقد فوتت الحكومة للعام التالى الوصول إلى الحد الأدنى الذى حدده الدستور، فلم تخصص إلا 1.8 فى المائة من الناتج القومى هذا العام (مقابل 3 فى المائة كحد أدنى بحسب الدستور على أن يزيد كل عام بواحد فى المائة ليصل خلال ثلاث سنوات إلى النسبة العالمية المقدرة بـ6 فى المائة فى حدها الأدنى).

لماذا قايضوا التعليم والصحة بالمحاكم والشرطة ولماذا قايضوا تطوير بؤر الإرهاب والجهل والمرض العشوائية بتنمية إقليم السويس؟ من حق الناس أن تفهم وأن توافق أو ترفض. فى دولة مازالت تحبو متعثرة نحو الديمقراطية، لم تعتد الحكومة المساءلة الشعبية، ولم تعتد أجهزة الدولة الدفاع بشكل ديمقراطى عن أهدافها التى من المفترض أن يتم تحديدها بشكل ديمقراطى (وهذا لم يحدث خلال العامين الماضيين بسبب غياب برلمان وبرلمانات محلية منتخبة وديمقراطية وغياب أى سياسات بديلة للمشاركة الشعبية).

وهكذا، اكتفت الحكومة بالتباهى بأنها قامت بزيادة المخصصات التى وجهتها لقطاعى التعليم والصحة، مع أن المبالغ التى خصصتها الحكومة لهذين القطاعين فى العام المالى الحالى لا تكفى لشراء نفس الاحتياجات التى تم شراؤها العام الماضى، وذلك رغم الزيادة الظاهرية فى المبالغ المخصصة والتى مسح أثرها التضخم.

لماذا قايضوا التعليم والصحة بالمحاكم والشرطة ولماذا قايضوا تطوير بؤر الإرهاب والجهل والمرض العشوائية بتنمية إقليم السويس؟ من حق الناس أن تفهم وأن توافق أو ترفض.

سلمى حسين صحفية وباحثة متخصصة في الاقتصاد والسياسات العامة. قامت بالمشاركة في ترجمة كتاب رأس المال في القرن الواحد والعشرين، لتوماس بيكيتي. صدر لها في ٢٠١٤ كتاب «دليل كل صحفي: كيف تجد ما يهمك في الموازنة العامة؟».
التعليقات