ينتقص من وفى التحليل الأخير يتناقض مع القيمة الأخلاقية والإنسانية لحقوق الإنسان، أن يتعامل نفر من المدافعين عنها بانتقائية مع المظالم والانتهاكات التى تنزلها السلطوية بالمواطن.
البعض ينتقى وفقا لمعايير القرب والبعد الأيديولوجى، فيطلق حملات دؤوبة للتضامن مع المسلوبة حريتهم من المنتمين لليسار واليمين المعارض، ويتضامن بدرجة أقل مع القابعين وراء الأسوار من الديمقراطيين أصحاب الرؤى غير العلمانية، ويسكت بصورة شبه كاملة عن المسجونين، والمحبوسين احتياطيا، الذين لم يثبت عليهم التورط فى خروج على القانون من أعضاء جماعة الإخوان والمتعاطفين معها.
البعض الآخر ينتقى وفقا لمعايير القبول المجتمعى للضحايا أو مدى استعداد الناس للتعاطف معهم، فيطلق حملات متتالية للتضامن مع الطلاب والشباب المسلوبة حريتهم بسبب معارضتهم للسلطوية الحاكمة والذين تتعاطف معهم قطاعات شعبية كبيرة نسبيا، بينما يتجاهل متوسطى العمر وكبار السن المنتمين أيضا للمعارضة السلمية، والذين لا يقل على الأرجح عدد المسجونين، والمحبوسين احتياطيا منهم عن عدد ضحايا المظالم والانتهاكات بين صفوف الطلاب والشباب.
البعض الثالث ينتقى وفقا لمعايير الاهتمام الإعلامى بالضحايا، فيطلق حملات للتضامن مع الضحايا المعلومة أسمائهم من المسلوبة حريتهم، بحيث ينقلب الأمر تدريجيا إلى ممارسة أشبه بـ«الوجاهة الاجتماعية»، التى تستبعد من سياقاتها غير المعروفين إعلاميا من الضحايا، وكذلك من لا يحضر اليقين بشأن اهتمام محتمل للإعلام بحالاتهم.
لست أبدا برافض لحملات التضامن مع ضحايا المظالم والانتهاكات من المنتمين لليسار واليمين، ومن الطلاب والشباب، ومن المعروفين للرأى العام. بل أجد أن المشاركة فى مثل هذه الحملات بالمتاح لى من أدوات (وهى اليوم الكتابة الصحفية، والتوعية العامة من خلال مواقع التواصل الاجتماعى) تمثل التزاما أخلاقيا وإنسانيا وأن اللافعل هنا هو اختيار العاجزين. غير أن الرفض والنقمة يعبران عن جوهر موقفى إزاء الممارسات الانتقائية بشأن الضحايا والتى تنتهى إلى التمييز ضد بعضهم وتجاهل حقوقهم وحرياتهم المسلوبة.
كان التضامن مع الصديق الأستاذ حسام بهجت حين احتجزته النيابة العسكرية ضروريا، وتجاوز حواجز المواقف الإيديولوجية والانحيازات السياسية، واتسم بالفاعلية. فماذا عن الصديق الأستاذ هشام جعفر، الصحفى الخلوق والمؤمن بالتوافق الوطنى، الذى تجدد السلطات المصرية حبسه وحبس زميله الأستاذ حسام السيد منذ شهور؟
والمطالبة برفع الظلم وجبر الضرر عن الطلاب والشباب القابعين وراء الأسوار، إن المعلومة أسماؤهم أو غير المعروفين للرأى العام، لا تتعارض مع مطالبة مماثلة برفع الظلم عن متوسطى العمر وكبار السن ممن يواجهون قمع السلطوية الحاكمة. لماذا نصمت على ممارسات سلب الحرية والتعقب والفصل من العمل والحجز على الأموال والممتلكات الخاصة، التى تنزل السلطوية الحاكمة بمعارضيها أو بمن تصنفهم هى فى عداد معارضيها؟
ننتقى بين الضحايا، ونصر على الانتقاء، ونتورط أحيانا فى الترويج للانتقاء كنمط من أنماط الوجاهة الاجتماعية. فلنعد النظر ونعمل الضمير والعقل دون معايير مزدوجة ودون انحيازات.