راهن البعض على تجاهل أعضاء الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين دعوة مجلس النقابة لاجتماع الأربعاء الماضى، لبحث الرد على اقتحام الشرطة مبنى النقابة، قياسا على عدم اكتمال النصاب القانونى للجمعية العمومية العادية، التى كانت مقررة فى شهر مارس الماضى لثلاث مرات متتالية، لكن تدفق الحشود على شارع عبدالخالق ثروت رغم كل المعوقات والحواجز الأمنية، خيب ظن المرجفين، وبعض من ينتسبون زورا لمهنة البحث عن المتاعب.
شيوخ وشبان حضروا استجابة لتحدى اللحظة، كما هم دائما على العهد بهم كلما ألمت بالنقابة الملمات، ولاحت فى الأفق غيوم التضييق على الحرية، ومحاولات وضع الصحافة فى الأقفاص الحديدية.. مشهد الصحفيين وهم يتخطون الحواجز الأمنية التى طوقت النقابة من كل اتجاه، وتجاوزهم لحشود البلطجية، و«المواطنين الشرفاء»، شكل ردا عمليا على من ظنوا أن النقابة لقمة سائغة يمكن أن تتلقى الصفعات فى صمت، وتلعق الإهانة مطأطأة الرأس.
هنا تحركت ماكينة العمل المضاد، وكما نثر «المواطنون الشرفاء» بذاءاتهم وألقوا بقاذوراتهم اللفظية على أسماع كل صحفى وصحفية يعبر حاجزا أمنيا، تحت سمع وبصر من جلبوهم من الأزقة والحوارى، راحت حناجر تهدر فى عدد من برامج الليل الفضائى، وتبارت أصوات فى رفع عقيرتها، وسمعنا عويلا غير مسبوق، وفحشا فى القول، وسيلا من الاتهامات المعلبة سابقة التجهيز التى عفا عليها الزمن من ماركة «التخوين» تارة، والعداء للوطن تارة أخرى، ورأينا وجوها أكلت على كل الموائد، وهى تؤدى فاصلا من الردح، حسب الطلب، لكل صحفى وقف إلى جوار نقابته.
وجدنا صحفا تغير جلدها بين يوم وليلة، وأخرى تنقل موقفها من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، ومن افتتاحيات نارية تدافع عن كرامة النقابة، إلى الدعوة لشق الصف، بزعم «تصحيح المسار»، وبما وضع قراءها فى حيرة، غير أن من خبروا الأيام وعرفوا ما يدور فى بلاط صاحبة الجلالة من تقلبات، يدركون أن بعض الأقلام تتحرك «رايح جاى» وفق رغبة الممسك بالريموت كنترول، أو من يملى عليها التعليمات.
ليس غريبا إذا أن تتحول بعض الصحف والبرامج الفضائية إلى منصة للصحفيين «الشرفاء» لإطلاق كل نقيصة بالصحافة ونقابة الصحفيين، غير واضعين فى الاعتبار أن بعضهم، للأسف، ينتمى إلى البيت ذاته، لكنهم اختاروا الوقوف إلى جوار من منحوهم الذهب والفضة، وفتحوا لهم أبواب المجد الزائف، فتماهى نفر منهم مع مصالح من يكرهون الصحافة ويمقتون الصحفيين، الذين ينتصرون لحق المجتمع فى المعرفة، وهم باستمرار مشاعل تنوير تمحو كل ظلام، وتقف بالمرصاد لكل فاسد ومفسد.
المعركة ستخمد نيرانها، عاجلا أم آجلا، باعتبارها أزمة من الأزمات العديدة التى مرت بعمر النقابة المديد، غير أن الغلو فى الكيد والمكايدة، سيبقى يلاحق أصحابه من هواة الصيد فى الماء العكر، والعيش على تأجيج الصراعات، والمزايدة وخلط الأوراق لتحقيق المزيد من المكاسب والمنافع.
سيتذكر الصحفيون، بكل فخر، أولئك الذين تحدوا حصار نقابتهم، ودافعوا بشجاعة عن كرامة مهنتهم، كما فعل أسلافهم فى مواقف مشابهة، وسيسقطون من ذاكرتهم من كانوا خنجرا مسموما، وقت أن كانت الصدور عارية تتلقى الطعنات من كل حدب وصوب.
وإلى هواة الدس والوقيعة، كانت نقابة الصحفيين، وستبقى، جزءا أصيلا من الدولة المصرية، وليست فى عداء معها، وهى واحدة من مؤسسات الدولة لها ما لها من حقوق، وعليها ما عليها من واجبات، وسيبقى الصحفيون دائما فى طليعة من يدافعون عن قضايا هذا الوطن حبا وكرامة رغم كل الحواجز.