أولا: انتخاب جمال عبدالناصر رئيسا للجمهورية عام 1964
قال محدثى وهو ضابط سابق بالقوات الجوية (الدفاع المدنى) ــ وكان القانون يسمح لأفراد القوات المسلحة المشاركة فى الانتخابات فى ذلك الوقت ــ: فى صبيحة يوم الانتخابات جمع العميد طيار يوسف سعودى قائد قاعدة ألماظة الجوية جميع وحدات القاعدة فى أرض الطابور وألقى كلمة قال فيها: «إننا اليوم نجتمع لإعادة انتخاب الرئيس جمال عبدالناصر لفترة رئاسة أخرى.. ولكى نتكلم عن الرئيس جمال نحتاج إلى مجلدات وساعات.. وإنما أنا أطرح عليكم ــ وبكل حرية ــ أنه من يوافق على إعادة انتخاب الرئيس يرفع يده».. فرفع الجميع أيديهم بسرعة ورفع بعضهم يديه الاثنتين، وبعدها قال العميد: وأيضا وبكل حرية من لا يوافق على انتخاب الرئيس يرفع يده.. فلم يرفع أحد يده باستثناء اثنين من المجندين رفعوا أيديهم خطأ فأنزلها زملاؤهم المجاورون لهم.. وأعلن ــ فى الطابور الموافقة الاجماعية على إعادة انتخاب الرئيس..
وما إن انفض الطابور حتى انهال الضباط على الجنديين اللذين رفعا أيديهما اعتراضا بالضرب.. وهما فى الواقع كانا فى حيرة شديدة فقد سمعا أمرا عسكريا برفع الأيدى فرفعوا الأيدى.. وهم أبعد ما يكون عن الاعتراض أو الموافقة أو حتى فهم أى معنى لما يجرى حولهم..
يذكر أن هذه كانت ثالث «انتخابات» رئاسية تجرى فى عهد ثورة الضباط عام 1952 وكانت كلها استفتاء على اسم واحد، كانت الأولى عام 1956 لرئاسة مصر، ثم أجرى استفتاء آخر عام 1958 لرئاسة دولة الوحدة «الجمهورية العربية المتحدة»، ثم بعد الانفصال أجرى استفتاء عام 1964.
ثانيا: انتخاب أنور السادات رئيسا للجمهورية عام 1970
ويقول محدثى إنه شارك أيضا فى انتخاب السادات رئيسا فى سبتمبر 1970 وكان قد تقاعد وأقام ببلدته بالريف، فذهب يوم الاستفتاء إلى مقر اللجنة الانتخابية بمقر الجمعية الزراعية بالقرية فى حوالى الساعة الواحدة ظهرا للإدلاء بصوته فاستقبله الشيخ على رئيس اللجنة وهو ناظر المدرسة الإلزامية بالقرية بحفاوة بالغة ولاحظ أنه هو الناخب الوحيد داخل اللجنة وقد شرح الشيخ على الأمر بأنه عندما تأكد أن هناك موافقة إجماعية على انتخاب الرئيس «فقررنا أن نجنب الناس مشقة الحضور وترك أعمالهم وزراعاتهم خصوصا أن هذا الوقت هو وقت المناوبة ــ أى فتح بوابات مياه الرى بنظام المناوبة ــ فقفلنا الصناديق وأرسلناها إلى المركز».
وعندما أشار الناخب إلى أن النظام يقضى باستمرار التصويت حتى الثامنة مساء، قال رئيس اللجنة: «ده البيه المأمور قال لنا انتوا اتأخرتوا.. ده فيه بلاد أرسلت الصناديق من الساعة عشرة الصبح».
وأضاف رئيس اللجنة لكى يطمئن الناخب المتحير «بأنك انتخبت يا سعادة البيه كأنك معانا بالضبط.. وحتى أخو سيادتك الموجود بالخارج انتخب أيضا كأنه موجود معنا».. ثم تناولوا الشاى جميعا، وهم يتسامرون فى الموضوعات المحلية بعيدا عن انتخابات الرئاسة..
ثالثا: ثم جاء عام 2012
وانتخابات الرئاسة يتنافس فيها ثلاثة عشر مرشحا.. ويقول محدثى وقد أصبح على مشارف الثمانين.. ذهبت مع زوجتى وانتخبنا عمرو موسى، أما ابنتى الصغرى فانتخبت حمدين صباحى وانتخب ابنى الفريق شفيق.. كلٌ قد أدلى بصوته مقتنعا بمرشحه وواثقا من وجاهة أسبابه، وقد كون رأيه بعد سنة من المناقشات والندوات والبرامج الحوارية.. وهكذا بدا عام 1964 وكأنه عام 1964 قبل الميلاد أو فى حقبة الديناصورات.. فسلام على الشهداء.
قل اليمين المحافظ ولا تقل الفلول
أفصحت مصر عن نفسها بجلاء.. ثلاثة تيارات تكاد تكون متساوية... الإسلام السياسى فى ناحية وعلى الناحية الأخرى تيار مساو له ومضاد فى الاتجاه وهو تيار اليمين المحافظ..
أقول اليمين المحافظ ولا أقول الفلول.. لأن الخمسة ملايين الذين صوتوا لصالح الفريق شفيق لا يمكن أن يكونوا ــ فقط ــ فلول الحزب الوطنى.. بل هو تيار موجود فعلا وقد تنامى وتزايد أنصاره وانضم إليه كل الذين ينشدون الاستقرار بما فى ذلك أصحاب المهن والحرفيين والباحثين عن لقمة العيش والقلقين من استمرار التوتر السياسى والتراجع الاقتصادى.. فضلا على الملايين الذين كانوا ينتمون للحزب الوطنى بما فى ذلك عائلات الريف الذين كان انتماؤهم للحزب الوطنى هو انتماء للحكومة وللضرورة وليس انتماء عقائديا.. هؤلاء شعروا بالمهانة والخوف من المستقبل مما دفعهم للتكتل والتجمع واستجماع القوى.. دفاعا عن النفس وانتماء عقائديا هذه المرة.. لذلك فلنتوقف عن وصفهم بالفلول.. إنه التيار اليمينى المحافظ الذى كان مبعثرا وتجمع شمله نتيجة المطاردة والخوف من المستقبل.. وبين هذين التيارين.. تيار ثالث قد يكون الأكثر عددا والأقل تنظيما.. والذى يضم روافد كثيرة متباينة فى كثير من الوجوه ولا يجمعها سوى كراهيتها للتيارين الآخرين.. والذى يضم الليبراليين والعلمانيين واليساريين ويسار الوسط والأقباط..
أى أن لدينا تيارين فى ناحية اليمين.. يمين دينى ويمين علمانى.. وتيار واحد فى ناحية اليسار.. وهذا فى حد ذاته إفراز جيد وصادق لحقيقة توجهات الشعب المصرى فى الوقت الراهن.. بشرط أن يتحرك التيارات الثلاثة فى ثلاثة أحزاب قوية.. وذلك قائم بالنسبة لتيارات اليمين سواء الدينى أو العلمانى.. أما التيار الثالث فما زال مشتتا.
وهذه هى فرصة الدكتور البرادعى وحمدين صباحى.. البرادعى بما يمثله من النقاء الفكرى ووضوح المسار وبما له من رصيد كمفجر للثورة، وحمدين صباحى بالقوة الشعبية الجديدة التى اكتسبها والتفاف الملايين حول الاتجاه الذى يمثله.. هذه هى الفرصة التاريخية لكى يصب هذا التيار الشعبى الضخم فى قالب تنظيمى متماسك أزعم أنه سيكون الأقوى على الساحة فى أى انتخابات حرة ونزيهة قادمة..