ورطة مزدوجة - من الفضاء الإلكتروني «مدونات» - بوابة الشروق
الخميس 26 ديسمبر 2024 5:12 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ورطة مزدوجة

نشر فى : الإثنين 9 سبتمبر 2019 - 11:05 م | آخر تحديث : الإثنين 9 سبتمبر 2019 - 11:05 م

نشرت مدونة «ديوان» التابعة لمركز كارنيجى مقالا للكاتبة « مهى يحيى، جاء فيه ما يلى.
فى حدثٍ هو الأول من نوعه منذ حرب 2006، استهدف حزب الله آلية عسكرية إسرائيلية بصواريخ مضادة للدروع، بعد أسبوع من الهجوم الذى نفّذته إسرائيل بطائرتين مسيّرتين على مبنى يضم المركز الإعلامى لحزب الله فى الضاحية الجنوبية لبيروت. سقطت إحدى الطائرتين، وانفجرت الأخرى، لكن الأنباء عن الهدف بقيت متضاربة، على الرغم من أن تقريرا إعلاميا إسرائيليا ذكر لاحقا أن إسرائيل استهدفت خلّاطا صناعيا لإنتاج الوقود الصلب المخصّص لصنع الصواريخ.
فى أعقاب هذه الهجمات، توعّد الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله بالرد على هجوم الطائرة المسيّرة انطلاقا من الأراضى اللبنانية. الآن وقد نفّذ الحزب ردّه، بات بإمكان كلٍّ من الطرفين أن يعتدّ بنجاحه: فالإسرائيليون وفق زعمهم، نجحوا فى تدمير معدّات تُعدّ أساسية لقدرة الحزب على إنتاج الصواريخ؛ وبدوره، نجح حزب الله مجدّدا فى إثبات قدرته على الردع. لكن المهم أن الطرفين، على الرغم من تسجيل بعض النقاط الانتخابية أمام الرأى العام، لا يريدان على ما يبدو إشعال أتون الحرب، وذلك لأسباب عدة.
لا يمكن قراءة التصعيد الأخير بمعزل عن المواجهة الإقليمية الأوسع بين إيران والولايات المتحدة. فقد بات واضحا أن إسرائيل تتولى تأجيج المواجهة العسكرية، فيما تعمد واشنطن إلى فرض عقوبات على طهران لتضييق الخناق الاقتصادى والمالى عليها. لذا، رأى حزب الله أن الردّ على هجوم الطائرة المسيّرة ضرورى لمنع إسرائيل من تغيير قواعد الاشتباك القائمة معه، ولاسيما على ضوء اتّهامه بتصنيع صواريخ دقيقة التوجيه. إذا، وعلى الرغم من تبادل إطلاق النار عبر الحدود، يبقى الهمّ الأول للطرفين، فى الوقت الراهن على الأقل، رسم معالم المواجهة المُقبلة، وليس التعبئة العامة استعدادا لحربٍ كبرى.
ترافقت هذه الرغبة فى تغيير قواعد اللعبة مع توسيع نطاق العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران وحزب الله منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووى مع إيران فى مايو 2018. ففى الأشهر الأخيرة، طالت هذه العقوبات جهاتٍ عدة فى إيران، من ضمنها الحرس الثورى وحاكم المصرف المركزى ووزير الخارجية ووكالة الفضاء الإيرانية. وعلى المستوى اللبنانى، أدرجت وزارة الخزانة الأمريكية على قائمة العقوبات النائبين محمد رعد وأمين شرّى اللذين ينتميان إلى حزب الله، إضافةً إلى مصرف «جمّال ترست بنك» بتهمة تسهيل الأنشطة المالية لحزب الله.
أما إسرائيل، فقد وسّعت بدورها دائرة هجماتها ضد إيران ووكلائها، إذ استهدفت مواقع عدة فى العراق ولبنان، واستأنفت شنّ غارات جوية فى سوريا. وشملت هذه الهجمات قصف مخزن للأسلحة وقواعد عسكرية لجهات مرتبطة بإيران أو وكلائها فى العراق، إضافةً إلى موكب تابع لكتائب حزب الله العاملة ضمن قوات الحشد الشعبى فى مدينة القائم على الحدود العراقية السورية. كذلك، قصفت إسرائيل موقعا فى سوريا زعمت أنه بؤرة تخطيط لإطلاق طائرات مسيّرة مفخّخة إلى داخل إسرائيل، ما أسفر عن مقتل عنصرين من حزب الله.
فى غضون ذلك، أطلق الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون مبادرة لتعويم المسار الدبلوماسى خلال قمة مجموعة الدول السبع، حيث دعا وزير الخارجية الإيرانى محمد جواد ظريف إلى بياريتز لإجراء محادثات. وقد أماط حضور ظريف اللثام عن الجهود الدبلوماسية المكثّفة التى تبذلها أوروبا لتخفيف حدة التوتر بين طهران وواشنطن من جهة، وضمان التزام إيران بالاتفاق النووى الذى وُقع فى العام 2015.
***
كان مُلفتا أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ألمح فى بياريتز إلى إمكانية عقد لقاء مع نظيره الإيرانى حسن روحانى. ومع أن هذا الأخير استبعد فى مطلع سبتمبر احتمال إجراء أى محادثات مباشرة مع واشنطن، ليس خافيا أن طهران ترغب على الأرجح فى إحراز بعض التقدّم الدبلوماسى، وأنها تترقّب تحسين آلية التبادل التجارى التى وضعتها المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا لتفادى العقوبات الأمريكية المفروضة على النفط الإيرانى، والتى باتت موجِعة لإيران. فوفقا لصندوق النقد الدولى، من المُتوقّع أن يبلغ معدّل التضخم فى إيران هذا العام 40 فى المائة، وأن ينكمش الاقتصاد بنسبة 6.9 فى المائة، مقارنةً مع 3.9 فى المائة العام الفائت. فى غضون ذلك، تشهد البلاد احتجاجات متفرّقة نتيجة السخط الشعبى الناجم عن تردّى الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية.
كما هو متوقّع، لم يبقَ لبنان فى منأى عن الهموم الاقتصادية التى تعانيها إيران. فقد أشارت تقارير صحفية عدة إلى أن حزب الله طلب من قاعدته الشعبية الاستعداد لخوض مرحلة مُقبلة صعبة، بسبب تراجع الدعم الإيرانى له وانخفاض المساعدات التى يتلقّاها نتيجة العقوبات. ويتزامن ذلك مع تخبّط لبنان فى أزمة اقتصادية حادة، حيث بلغت نسبة الدين العام 158 فى المائة من إجمالى الناتج المحلّى، فى ظل ارتفاع مستويات البطالة والنمو شبه المعدوم. وقد عقد رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس الوزراء اجتماعا فى 2 سبتمبر للإعلان عن خطة طوارئ اقتصادية، فى أعقاب إقدام وكالة فيتش الائتمانية فى أغسطس على خفض تصنيف لبنان من درجة (Bــ) إلى (CCC) بسبب العجز فى الاحتياطات الصافية بالعملات الأجنبية. وهكذا، على ضوء تدهور الأوضاع الاقتصادية، تزداد الضغوط المحلية على حزب الله لتجنّب الانزلاق نحو مستنقع التصعيد العسكرى الشامل مع إسرائيل.
***
إن الدمار الذى قد يلحق بلبنان فى حال اندلاع حرب أخرى مع إسرائيل لن يعيد البلاد عقودا إلى الوراء وحسب، بل سيُكبّد حزب الله أيضا خسائر فادحة. بيد أن الرد المدروس على الهجمات الإسرائيلية أظهر أن حزب الله وإيران يدركان جيّدا العواقب المُحدقة. فإن وافقت إيران على اندلاع حرب بين حزب الله وإسرائيل، فسيعنى ذلك أنها مستعدّة للتضحية بأغلى أولوياتها فى المنطقة، لذا تؤثِر حاليا الحفاظ على حزب الله كقوة ردع، لتلجأ إليه يوم يلوح فى الأفق شبح تعرّضها هى إلى هجمات إسرائيلية.
أخيرا، لو نظرنا أبعد من العقوبات الاقتصادية والاتفاق النووى مع إيران، تنقشع أمامنا على نحو أقل وضوحا ملامح حرب أخرى يجرى الإعداد لها بين إيران من جهة، والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة أخرى. ففى الشهر الفائت، تراجعت الولايات المتحدة عن تنفيذ ضربات عسكرية وشيكة ضدّ إيران ردّا على إسقاط طائرة استطلاع أمريكية مسيّرة، لتستبدلها بهجوم سيبرانى دمّر قاعدة بيانات إيرانية كانت تسمح بضرب ناقلات فى منطقة الخليج. فى غضون ذلك، تلجأ أطراف عدّة فى الشرق الأوسط بشكل متزايد إلى أساليب حربية جديدة، على غرار الطائرات المسيّرة أو الهجمات السيبرانية التى تُعيد صياغة قواعد النزاع فى المنطقة.
رسمت الاشتباكات الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل معالم واقع جديد فى المنطقة. فالهجمات بالطائرات المسيّرة والعمليات السيبرانية تتيح للأطراف جميعها الفوز بجولات وتسجيل النقاط من دون تكبّد أكلاف تُذكر. لكن، فيما يتأرجح مختلف الأطراف على حافة الهاوية، من الواجب الحذر من أى سوء تقدير من شأنه أن يُغرق المنطقة فى لُجج الفوضى.

النص الأصلى

http://bit.ly/2lIErIG

التعليقات