بدعوة كريمة من الإعلامى القدير الأستاذ أيمن عدلى، حضرت يوم 27/8 الماضى الندوة التى نظمها صالون الإعلام بمكتبة مصر العامة، ذلك المنبر التنويرى العظيم الذى يحتضن الثقافة والأدب والفن وكل نشاط راقٍ.
جلس على منصة الندوة كوكبة من الإعلاميين البارزين من ذوى الخبرة والرؤية والعلم وهم الأستاذة سوزان حسن الرئيس الأسبق للتليفزيون، والأستاذ عزت إبراهيم رئيس تحرير الأهرام ويكلى، واللواء محمد الغبارى المدير الأسبق لكلية الدفاع الوطنى، وصاحب الدعوة الإعلامى أيمن عدلى، وأخيرا وليس آخرا السفير القدير رضا الطايفى الذى يترك بصمة واضحة على مكتبة مصر العامة وهو أيضا له دور إعلامى كبير فقد رأس لعدة سنوات تحرير مجلة الدبلوماسى. كما شارك فى الندوة أيضا من الشخصيات العامة أثروها بمداخلاتهم القيمة منهم المستشار الجليل عدلى حسين القاضى المميز والمحافظ لعدة محافظات والسفراء الأجلاء فخرى عثمان وجيلان علام والدكتورة هالة الصلحاوى الأستاذ بكلية الإعلام والأستاذة سوزان حامد رئيس شبكة القنوات الإقليمية بالتلفزيون سابقا والأستاذ الدكتور وائل عزيز وكيل كلية السياحة والفنادق الأسبق بجامعة المنصورة واللواء محمود متولى صاحب صالون مصر البحرى.
لعل النقطة الخلافية الأولى التى بحثتها الندوة هى هل هناك إعلام جديد مميز عن الإعلام القديم أم أن الإعلام جوهر مستمر مع الزمن قائم على إيصال الخبر والمعلومة والفكرة والتوجيه إلى الجمهور عن طريق وسائط؟، وإن هذه الوسائط تطورت مع الزمن من تسجيل رمسيس الثانى انتصاره فى قادش على جدران معبد أبى سمبل إلى نقل الأقمار الصناعية وقائع الحرب فى أوكرانيا إلى شاشات التلفزيون وشاشات الوسائل الإلكترونية.
أثار الأستاذ عزت إبراهيم أهمية ربط الإعلام بالتعليم مشيرا إلى التجارب الأوروبية بوضع الإعلام ضمن المناهج فى المدارس وهو أمر كان مطبقا فى مدارسنا عندما كان فى كل مدرسة مجلة للحائط وجمعية للخطابة.
تحدثت الأستاذة سوزان حسن عن أهمية الحفاظ على مؤسسة ماسبيرو بما لها من تاريخ وإسهام كورقة من أوراق القوة الناعمة المصرية وأكدت على أهمية حسن اختيار العاملين فى مجال الإعلام طبقا لمعايير محددة ودقيقة وحسن تأهيلهم دراسيا وثقافيا.
وتحدث اللواء محمد الغبارى عن دور الإعلام فى شرح وإيصال مفاهيم المخطط الاستراتيجى الشامل للدول إلى الجماهير. أما المستشار عدلى حسين فقد عدد مواد الدستور التى تكفل حرية التعبير وحرية الإعلام.
• • •
التقدم العلمى والتقنى أتاح فرصا هائلة لخدمة الإعلام أهمها وسائل الاتصال الحديثة وكما كانت آلة البخار بداية للثورة الصناعية، كان التلغراف بداية لانطلاق الإعلام عبر البلاد وعبر القارات ثم جاء الراديو والتصوير الفوتوغرافى وكانت حرب القرم أول حرب يتم تصوير أحداثها فوتوغرافيا ثم جاء التصوير السينمائى الذى غطى أحداث الحرب العالمية الثانية، وأخيرا التليفزيون الذى نقل فظائع حرب فيتنام إلى داخل بيوت الشعب الأمريكى وكان له أكبر الأثر فى إنهاء الحرب بعد الضغوط الشعبية عقب التعرف على الفظائع التى ارتكبت فى الحرب؛ ثم جاء عصر الكمبيوتر الذى يتيح للإعلام تخزين المعلومات وتبويبها وسرعة استردادها وأرشفة الأحداث لخدمة الخبر.
ولعل من أكثر التطورات تأثيرا على الإعلام جهازا صغيرا فى حجم الكف يوضع فى الجيب وهو التليفون المحمول المزود بكاميرا الذى جعل من كل فرد يمشى فى الشارع مراسلا صحفيا ووكالة أخبار متنقلة مما أثر على حرفية الإعلام وجديته، خاصة مع وجود تقانات تساعد على التلفيف والتدليس مثل الفوتوشوب مع صعوبة الاستدلال على المصدر لعل ذلك يجعل السبق فى نقل الخبر يتراجع لصالح الثقة فى المصداقية والقدرة على التحليل.
التكنولوجيا الجديدة ستغير شكل الإعلام حتما، فمن المؤكد أن الصحافة الورقية تلفظ أنفاسها الأخيرة لصالح الإعلام الإلكترونى، كما أنه مع التقدم فى نقل المعلومات أصبح هناك كمٌ هائلٌ من المعلومات المتاحة تغرق أى منبر إعلامى وأصبح من المهم وضع أولويات للخبر الذى يتم إبرازه، وهل يأخذ خبر طلاق مطربة وحلاق شعرها أولوية على حساب انطلاق تليسكوب جيمس ويب الفضائي؟.
• • •
وإذا انتقلنا إلى التحديات نجد لنا تحديات هائلة تواجه المجتمع ويظل الإعلام هو خط الدفاع الأول ضدها.
تحدٍ أخلاقى عندما يسعى الغرب أن يفرض علينا ثقافة الرينبو وقبول المثلية والتحرر الجنسى والعرى والفجور.
تحدٍ دينى عندما يحاولون أن يرسخوا فى نفوسنا أن الإسلام هو جذر التطرف والإرهاب ثم يسعون إلى إذابة ديننا الإسلامى والمسيحى فى بدعات الإبراهيمية.
تحدٍ قوى بالترويج لمقولة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا MENA ليحل محل العالم العربى والترويج بأن العرب ليسوا الجبهة التى نقف وسطها نذود عن أرضنا وحقوقنا، وصار البعض يهرول نحو الغير تحت وهم أنهم سيجدون الأمان فى كنفهم.
تحدٍ رياضى وشبابى الذى حوَّل الرياضة إلى تعصب أعمى وصراعات وخوض فى الأعراض والأخلاق إلى درجة سالت فيها الدماء.
وتحدٍ فنى وثقافى فى مواجهة موجة الفجاجة فى الدراما والغناء، فضلا عن تحدٍ اجتماعى بسبب الإعلانات الاستفزازية التى تظهر الفوارق الهائلة بين الطبقات بشكل يسبب احتقان فى المجتمع فى وقت أصبح الإعلان يقود الإعلام ويتحكم فيه.
وأخيرا وليس آخرا، تحدٍ علمى وتقنى بعد أن اختفى الإعلام العلمى من حياتنا وأصبحنا غير مواكبين بل غير متابعين للثورة العلمية الجديدة، ويواجه الإعلام أيضا تحديات داخلية ذات خصوصية مصرية. لعل من أهمها الديون التى تثقل المنابر الإعلامية التى باتت تهدد أداءها وتدفعها أكثر إلى أحضان الإعلان والسوقية.
الإعلام المؤسسى يواجه أصعب أنواع الحروب وهى حرب العصابات التى تمثلها شراذم من المشاركين فى التواصل الاجتماعى، وولت أيام كانت الجهة الإعلامية محددة بمحطات وصحف رسمية مثل الـ«بى بى سى» وصوت أمريكا ومحطات إسرائيل والمحطات المأجورة المسلطة مثل محطة مصر الحرة. ولدينا شكل الكادرات الإعلامية بعد أن طغت على الساحة نماذج كل مؤهلاتها جمال الشكل والقدرة على الاستظراف، فضلا عن تراجع اللغة العربية التى صارت معوقا كبيرا.
التحدى الإعلامى لعله من أخطر التحديات التى نواجهها وكانت ندوة مكتبة مصر ناقوس إنذار عسى أن ينبهنا لخطورته ويدفعنا إلى العمل على مواجهة الأخطار المحدقة بنا.