بينما الأنظار كلها متجهة إلى المعركة الإعلامية والدبلوماسية المستمرة حول سبب سقوط الطائرة الروسية المنكوبة فى سيناء، فإن مئات الآلاف من العاملين فى قطاع السياحة يواجهون اليوم خطر التسريح مع دخول السياحة المصرية فى أزمة جديدة وخطيرة تهدد مستقبلها. وبرغم أننى، بوجه عام، لست من المتحمسين لتدخل الدولة «عمال على بطال» فى كل مجال اقتصادى وتجارى، فإنه حينما يتعلق الأمر بإنقاذ صناعة بهذه الأهمية والخروج بها من محنة طارئة أو أزمة استثنائية، فإن الدولة يكون عليها واجب التدخل بسرعة وحسم وبأدوات وآليات غير تقليدية.
وللتذكرة فإن أهمية قطاع السياحة فى مصر تأتى من أنه كان يمثل فى سنوات ما قبل الثورة نحو ٦.٥٪ من الدخل القومى و٤٠٪ من إجمالى صادرات الخدمات، كما كان مصدرا رئيسيا للنقد الأجنبى بما يزيد على ١٠ مليارات دولار سنويا، علاوة على تشغيل ٦٪ من إجمالى العمالة المصرية بشكل مباشر. وحتى مع انحسار أعداد السائحين وحجم إنفاقهم فى السنوات الأخيرة فإن قطاع السياحة ظل يدر ما لا يقل عن ٢.٥٪ من الدخل القومى، وما يزيد على ١٦٪ من إجمالى الصادرات، ويدخل إلى البلد ما يزيد على ٧ مليارات دولار سنويا.
لذلك، ومع أن النتائج الاقتصادية لحادث سقوط الطائرة لم تتضح بعد، إلا أنه علينا الاستعداد لأسوأ الاحتمالات والتفكير فيما يمكن القيام به للحد من الأثار السلبية لهذه الكارثة، بما يتجاوز مجرد تشجيع السياحة الداخلية، لأنها لن تكون كافية فى الظروف الاقتصادية الصعبة، التى تواجهها الغالبية الساحقة من الشعب المصرى وتمنعها من الانفاق فى هذا المجال.
البداية هى إدراك أن لدينا فى قطاع السياحة أصولاً مادية وبشرية تم استثمار المليارات فيها طوال العقود الماضية وأن تركها تتهاوى وتنفرط وتفقد قيمتها بسبب هذه الضربة الموجعة يمثل إهدارا حقيقيا للثروة القومية وقضاء أكيدا على فرصة هذا القطاع فى تعويض خسائره واسترداد عافيته متى تجاوز البلد الأزمة الراهنة وعاد جاذبا للسياحة مرة أخرى. الخطر الحقيقى على المدى الطويل هو أن نترك العاملين المدربين فى قطاع السياحة يتركون مواقعهم، والفنادق تتدهور، والخدمات تنهار، والديون تتراكم، فإذا ما عادت الظروف المواتية مرة أخرى ــ وهى بالتأكيد سوف تعود ولو بعد حين ــ لا نجد سوى فنادق متهالكة وخدمات منهارة وعاملين منعدمى الخبرة فلا نتمكن من استقطاب سوى أدنى مستويات السياحة العالمية. وقد جربنا من قبل (عام ١٩٩٧ مع مذبحة الأقصر، وعام ٢٠٠٤ مع تفجير هيلتون طابا) أسلوب التقشف وضغط الإنفاق لمواجهة الأزمة، وكانت نتائجه كارثية حيث لم تنجح السياحة المصرية فى أن تسترد عافيتها ومكانتها حتى بعدما عاد السائحون إلى مصر.
على الدولة إذن أن تفعل عكس المعتاد فى مثل هذه الظروف، وتتدخل بكل قوة للحفاظ على البشر والأصول والمرافق. واقتراحى أن يكون ذلك عن طريق إنشاء صندوق لدعم قطاع السياحة يتم تمويله من الخزانة العامة، ومن منح عربية ودولية، ومن اقتراض داخلى وخارجى جديد، بل ومن بيع بعض الأصول والأراضى المملوكة للدولة إذا لزم الأمر، على أن يتم وضع هذا الصندوق تحت تصرف وزارة السياحة لاستخدامه فى المجالات التالية:
ــ دعم احتفاظ الفنادق والمنشآت السياحية بالعمالة فى فترة الركود من خلال سداد تأميناتها الاجتماعية ونسبة من أجورها.
ــ زيادة برامج تدريب وتأهيل العمالة القائمة ورفع كفاءتها استعدادا للمستقبل.
ــ توفير منح مالية وعينية من أجل صيانة الفنادق والمنشآت السياحية والحفاظ على حالتها الانشائية والخدمية كيلا تتدهور.
ــ توفير التمويل اللازم لتشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة فى مجال السياحة، مع تسهيل إصدار الرخص اللازمة للمشروعات السياحية الجديدة والحد من الرسوم والمصاريف المفروضة عليها.
ــ استكمال المشروعات والبنية التحتية والخدمات العامة التى ترفع مستوى قطاع السياحة فى مصر مثل الطرق والمواصلات العامة فى المناطق السياحية، وحراسة المواقع الأثرية والبيئية، وتوفير الاستعدادات الأمنية والصحية.
ــ دعم المشروعات والفنادق السياحية فى خدمة الديون المستحقة عليها ولو بمجرد سداد الفوائد الجارية لحين تجاوز الأزمة.
أعلم أن هناك من يعتقدون أن مثل هذا الإنفاق لا يمثل أولوية فى ظل الانحسار المتوقع فى السياحة خلال الفترة المقبلة، ووجود متطلبات أكثر إلحاحا على نحو ما ظهر فى كارثة الأمطار على الإسكندرية والدلتا. ولكن الحقيقة أن تجاهل احتياجات قطاع السياحة فى الوقت الراهن وتركه لكى يواجه مصيره المحتوم سوف يكون خطأ كبيرا وذَا تكلفة باهظة على المدى الطويل، ولذلك يلزم تنفيذ هذا البرنامج الفومى لحماية واحد من أهم القطاعات الاقتصادية قبل أن ينهار ولا تقوم له قائمة فى المستقبل.
مساندة قطاع السياحة الآن هو ما يستحق أن يوصف وبحق بأنه مشروع قومى عملاق، لأنه ينقذ ملايين العاملين وأسرهم من التشرد، ويحافظ على كفاءات وخبرات يصعب تعويضها، ويمنع تدهور الفنادق والأصول والمرافق، ويجعلنا مستعدين لتعويض الخسائر وتحقيق أرباح جديدة حينما تنقضى الأزمة.