الثورة العراقية ومستجدات الطاقة - وليد خدوري - بوابة الشروق
الأحد 22 ديسمبر 2024 2:18 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الثورة العراقية ومستجدات الطاقة

نشر فى : الإثنين 9 ديسمبر 2019 - 9:35 م | آخر تحديث : الإثنين 9 ديسمبر 2019 - 9:35 م

تعتبر الثورة العراقية بداية لتغيير ميزان القوى العراقى والإقليمى. فقد بادر جيل من العراقيين الشباب والشابات بفضح واستنكار هيمنة النفوذ الإيرانى فى العراق وسياسات الفساد والفشل الاقتصادى وتهريب الأموال للأحزاب الدينية والإثنية التى حكمت العراق منذ احتلال عام 2003.
طبعا، لم ينتهِ الصراع بعد. فستواجه الثورة صراعات مستقبلية مع الأحزاب الحاكمة وميليشياتها. إذ إن الأحزاب هذه لا تزال مسيطرة على مراكز قوة، بالذات الحشد الشعبى، مما يعنى توقع المزيد من سفك الدماء بعد أكبر مجزرة فى تاريخ العراق الحديث. فلا يبدو أن إيران ستغير من سياسة التدخل فى شئون الدول العربية، وفى مقدمتها العراق. ولا يبدو على ضوء ذلك استعداد الجالسين على كراسى الحكم فى بغداد التخلى عن السلطة ومواردها المليارديرية التى استأثروا بها أفرادا وأحزابا دون مراقبة أو مقاضاة.
ستواجه السياسات النفطية للعهد الجديد، فى حال قلب النظام الحالى، تحديات عدة، ليس فقط لما للنفط من أهمية استراتيجية، بل لمحاولة استفادة البلاد القصوى من النفط اقتصاديا. أما اذا استطاع العهد الحالى التمسك بالحكم، رغم المظاهرات التى عمت بغداد ومعظم محافظات الجنوب، فهذا سيعنى استمرار الأحزاب فى نهب وهدر مليارات الدولارات سنويا. مما يعنى وجوب توقع استمرار دمار العراق وإفقار شعبه ثقافة وعلما واقتصادا. إذ إن نحو 11 بالمائة من السكان الآن عاطلين عن العمل و25 بالمائة تحت خط الفقر. يتساءل المتظاهرون لماذا هناك أرصفة بحرية على سواحل البصرة مخصصة لتهريب النفط لصالح الميليشيات؟ ولماذا مسموح لرئيس وزراء سابق نهب أموال النفط الواردة من الخارج، أو أن يقترض نفس رئيس الوزراء 10 مليارات دولار من وزارة المالية خلافا للقوانين المرعية ودون أن يعيد هذه الأموال للخزينة حتى الآن؟ أين الرقابة والقوانين والمحاكم؟ وأين تصرف هذه الأموال؟ هل يتم تبييضها؟ لماذا يشرب أهل البصرة ماء ملوثا؟ ولماذا تنقطع الكهرباء عدة ساعات يوميا؟ أين الـ26 مليار دولار التى خصصت فى الموازنات السنوية منذ عام 2004 لتطوير ودعم وزارة الكهرباء؟ أين صرفت مئات الملايين من الدولارات من المساعدات المخصصة لنحو ثلاثة ملايين نازح داخل العراق؟ وأين محاكمات الآلاف من المسئولين المتهمين بالفساد الذين تتواجد ملفاتهم فى أدراج المحاكم؟
ما هى المستجدات النفطية فى حال استلام عهد جديد مقاليد الحكم؟
تبلغ طاقة الإنتاج النفطية العراقية حاليا نحو 5 ملايين برميل يوميا، بينما يبلغ الإنتاج نحو 4,30 مليون برميل يوميا، والصادرات حوالى 3 ملايين برميل يوميا. وتوقعت السلطات فى موازنة 2019 أن تبلغ قيمة الصادرات النفطية فى موازنة هذا العام نحو 79 مليار دولار.
تكمن الأولوية عند تغيير النظام فى إعادة النظر فى السياسات النفطية، مراجعة القوانين والأنظمة للقطاع البترولى فى الدستور الحالى. وهذا يعنى بدوره مراجعة الدستور الذى تم رسمه فى عهد الحاكم الأمريكى «بول بريمر» والذى كرس فيه تفتيت العراق إلى ما وصل إليه اليوم. وقد قدم الخبير النفطى العراقى «أحمد جياد» دراسة وافية تشمل التحليل والتقييم للمواد الدستورية المتعلقة بالقطاع النفطى يقترح استعمالها عندما تسنح الفرصة لتغيير الدستور من قبل جهات مختصة.
وفى هذا المجال، نود التأكيد على ضرورة إعادة إعطاء المسئولية لشركة النفط الوطنية العراقية. وهذا يتطلب الإعادة للعمل الكادر المتقدم الذى صرفت الدولة على ابتعاثه لخيرة الجامعات فى العالم للتخصص فى مجالات النفط العلمية وأيضا حصل هذا الكادر على خبرة طويلة فى إدارة القطاع النفطى فى الماضى. وينضم هذا الكادر المتقدم مع الكوادر الشابة التى فى قطاع النفط الآن أو التى ستتأهل مستقبلا بعد التخرج للعمل فى الصناعة النفطية، لكى يشكلا تكاملا فى صناعة النفط العراقية من جيلين مختلفين.
كما يقترح، على ضوء الدمار الذى لحق بالصناعة النفطية العراقية خلال العقود الأربعة الماضية والهجرة الجماعية للخبراء العراقيين، الاستمرار فى التعاون مع شركات النفط العالمية للاستفادة القصوى من إمكاناتها المالية وقدراتها الفنية والتقنية وتدريبها للكادر العراقى النفطى الفتى. وهذا يترتب بدوره دراسة العقود الحالية مع الشركات التى واكبها الكثير من اللغط.
هناك إمكانات وبدائل عدة ممكن العمل بها ضمن واردات العراق السنوية الضخمة، فى حال الاعتماد على الحوكمة والشفافية فى الحكم. وبالنسبة للقطاع النفطى، هناك ضرورة ملحة لتشييد مصافى تكرير جديدة، إذ إن العراق يستورد حاليا نحو 100 ألف برميل يوميا. وقد طرحت وزارة النفط منذ عام 2003 تشييد أربعة مصافٍ جديدة. إلا أن المفاوضات مع الشركات الدولية التى قدمت عطاءاتها لا تزال متعثرة. والسبب المعلن هو الخلاف حول الأسعار العالية للعروض. ونستطيع أن نتصور لماذا هذه الأسعار العالية من قبل الشركات. فهى إما للمخاطرة الأمنية للعمل فى العراق ضمن الظروف الراهنة، أو أن عمولات وحصص المتنفذين السياسيين عالية جدا. والشركات تتحمل اسميا كلفة هذه العمولات لكن فعليا تضيفها إلى نفقاتها وتحمل الدولة كلفتها.
ومن الضرورة إعطاء الأولوية لتطوير صناعة الغاز. فالعراق، من أكثر الدول فى العالم لا يزال يحرق الغاز المصاحب. الأمر الذى جعل العراق من الدول الرئيسة المسئولة عن التلوث عالميا. والغاز هو الوقود المفضل فى عبور الجسر ما بين حقبتى الهيدروكربون والطاقات البديلة، لكمية ثانى أكسيد الكربون الضئيلة فيه نسبيا. كما أن العراق بحاجة ماسة لتغذية محطات الكهرباء بوقود الغاز لايقاف انقطاعات الكهرباء للمواطنين.
***
وبالنسبة للطاقات المستدامة، تم تدشين محطة طاقة شمسية بطاقة 750 ميجاوات فى شهر مايو الماضى. وهناك خطط لتشييد محطة شمسية أخرى أيضا بقدرة 750 ميجاوات. ويتوجب إعطاء أهمية أكثر لتشييد محطات بدائل الطاقة (الشمسية أو الرياح). وقد تأخر العراق كثيرا فى هذا المجال الطاقوى الحديث. ويقترح دراسة إمكانية إعطاء القطاع الخاص أو القطاع المشترك تشييد هذه المنشآت الحديثة. كما نقترح أن تشمل صلاحيات وزارة النفط شئون الطاقة البديلة (وزارة النفط والطاقات البديلة) نظرا إلى توسع آفاق الطاقة فى المستقبل القريب إلى ما هو أبعد من النفط والغاز.
شكلت الخلافات النفطية ما بين الحكومة الفيدرالية (بغداد) وحكومة إقليم كردستان (اربيل) واحدا من أهم أسباب النزاعات بين الطرفين. وقد تراكمت هذه الخلافات منذ عام 2003. ومن أهمها حصة الإقليم من مجمل الريع النفطى العراقى السنوى (17 بالمائة من قيمة الصادرات النفطية). والخلاف الثانى هو كيفية صرف الإقليم لهذه المبالغ. فتشير معلومات اللجنة المالية للبرلمان العراقى عن رفض الإقليم السماح لهم بالزيارة لكى يدققوا فى دفاتر حسابات الإقليم الرسمية. كما ينص دستور إقليم كردستان أن لوزارة نفط الإقليم الصلاحية للتفاوض والتعاقد مع شركات نفطية دولية دون إبلاغ برلمان إقليم كردستان أو البرلمان العراقى بفحوى هذه المفاوضات ونص عقود الاتفاق مع الشركات الدولية. وهناك مشكلة إبلاغ وزارة نفط الإقليم الوزارة الاتحادية بحجم إنتاجها وصادراتها. وتتبع حكومة الإقليم سياسات نفطية تناقض سياسات العراق. مثلا، يتم تصدير نحو 250 ألف برميل يوميا من النفط الخام عبر تركيا إلى ميناء جيهان ومن ثم تشحن شركات تسويق نفطية الإمدادات إلى ميناء عسقلان (أشدود) الإسرائيلى.
لقد تفشى الفساد فى العراق كالسرطان. والوضع هو نفسه فى الإقليم كما هو فى بقية العراق. تتعدد أمثلة الفساد فى العراق وفى إقليم كردستان. فالمثال الأخير الذى تم الكشف عنه فى بغداد وأعلنه وزير الصحة السابق الدكتور عبدالصاحب علوان مباشرة فى مقابلة على التلفزيون يتعلق بمحاولة وزارة الصحة استيراد لقاح ضد شلل الأطفال. ذكر الدكتور علوان على التلفزيون العراقى أن نائب رئيس كتلة برلمانية ضخمة فى البرلمان زاره فى مكتبه وطلب منه استيراد اللقاح من دولة معينة بقيمة 85 مليون دولار، بدلا من 15 مليون دولار التى اتفقت فيها الوزارة مع منظمة متخصصة تابعة للأمم المتحدة. رفض الوزير طلب النائب وطلب منه مغادرة مكتبه كما قدم استقالته لرئيس الوزراء وغادر البلاد إلى الخارج. أما المثال الثانى، فهو بخصوص خبر نشرته وكالة «رويترز» للأنباء عن وديعة بقيمة مليار دولار تملكها عائلة كردية سياسية. تم ايداع هذه الوديعة فى أحد المصارف اللبنانية وهناك دعاوى مرفوعة حولها حاليا فى محاكم نيويورك.

وليد خدوري كاتب عراقي متخصص في أمور الطاقة
التعليقات