خرجنا من حربنا مع الجزائر خاسرين كرويا وأخلاقيا وإعلاميا، ومع ذلك لم نتعلم الدرس، وخضنا حرب غزة والنشطاء الأجانب بالمنطق نفسه فكان أن أصبحنا فرجة العالم ومضغة فى الأفواه، بعد أن واصلنا بإصرار غريب إشعال النار فى خرائطنا الجغرافية والتاريخية.
فى حرب الجزائر عرفنا مقاييس جديدة للوطنية، فمن لا يلعن جدود العروبة وأواصر الدم والتاريخ هو شخص مشكوك فى مصريته، ومن لم ينظر إلى المباراة على أنها معركة سياسية مقدسة ضد عدو شرس، هو إنسان ناقص الوطنية.
وها هى نفس الأصوات التى أضحكت علينا العالم فى موقعة الجزائر تتصدر الساحة فى الحرب على غزة والنشطاء الأوروبيين المتعاطفين معها، وتطلق صيحات القتال ضد مجموعة من أشرف وأنبل ما أنتجت الثقافة الأوروبية، جاءوا محمولين على أجنحة الضمير الإنسانى ليقدموا بعض المساعدات إلى المحاصرين فى غزة.
وكانت النتيجة أن سدت فى وجوههم المنافذ وطوردوا فى شوارع القاهرة وأجبروا على المبيت فى العراء، ومورست ضدهم أشرس فنون الحرب الإعلامية، وجرى الحديث عنهم كمجموعة من التجار والمرتزقة والبلطجية المأجورين جاءوا فقط من أوروبا فى مهمة وحيدة هى إحراج مصر.
لنفرض أن جالاوى ورفاقه أرادوا إحراج الحكومة المصرية، لماذا استسلمت الحكومة للإحراج وسمحت لهم باستدراجها وإظهارها أمام الضمير العالمى فى صورة الدولة المشاركة فى حصار الفلسطينيين فى غزة؟
ما جرى مع القافلة يكشف مجددا عن غياب كامل للخارجية والدبلوماسية على نحو مخيف، إذ لم نسمع عن حوار هادئ ومحترم مع أولئك الذين جاءوا لإحراجنا، وفق ما يذهب إليه «ألتراس الصحافة الحكومية»، لماذا لم تلعب السفارة المصرية فى بريطانيا دورا يذكر مع قائد قافلة الإحراج جورج جالاوى قبل أن يتحرك من لندن وتتفق معه على المطلوب من القافلة، وما تستطيع الحكومة المصرية تقديمه لها فى رحلتها إلى غزة؟
لماذا تحول المتحدث باسم الخارجية إلى مجرد ناطق عسكرى يطلق يوميا بيانات متشنجة ومرتبكة تضعف الموقف الرسمى المصرى أكثر مما تخدمه؟
لماذا لن نسمع عن رجل رشيد واحد فى الإدارة المصرية يقول لمن بيدهم الأمر إنه لا يجوز أخلاقيا ولا سياسيا أن يجرى استقبال قطعان الصهاينة على الرحب والسعة وتفتح لهم كل الأبواب والنوافذ للحضور للاحتفال بمولد أبوحصيرة المزعوم، بينما نبلاء أوروبا المتعاطفون مع الشعب المحاصر فى غزة يستقبلون بالهراوات ويلاحقون كالمجرمين فى الشوارع؟
لماذا وضعنا كل إمكاناتنا لتأمين أولئك «المتهوسين» الذين جاءوا لاستفزازنا فى قرية دميتيوه عند أبو حصيرة وتراخينا فى تأمين احتفالات أهلنا بعيد الميلاد فى نجع حمادى؟
أخيرا.. قد ينفع «الألتراس» فى مباراة لكرة القدم، لكنهم بالتأكيد فى لعبة السياسة سيقودوننا إلى الانتحار أخلاقيا.