انتهت فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب والذي أشعر دائما بحسرة على عدم استطاعتي حضوره نظرا لدواعي السفر لبداية الفصل الدراسي الثاني في نيويورك، ولكني تابعت الفعاليات عن طريق البرامج التليفزيونية وفيديوهات اليوتيوب وتعليقات الفيسبوك هذا طبعا بالإضافة لما سمعته من أصدقاء زاروا المعرض وابتاعوا لي مشكورين قائمة ليست بالقصيرة من الكتب!
أستطيع القول إن الندوات الثقافية والمقهي الثقافي بفعالياته اليومية الهامة والدسمة (والشكر موصول لأستاذنا شعبان يوسف) من الأشياء الإيجابية جدا ولكن ما يحزنني هو عدم وجود ندوات عن الموضوعات العلمية، مثلا في معرض العام الماضي كانت هناك ندوة عن مناقشة كتاب بنية الثورات العلمية لتوماس كوون وهذا شيء جميل، لم أسمع عن ندوات علمية في هذا المعرض إلا عن عرض موجه للأطفال في جناح مركز الكويت للتقدم العلمي وهذا جميل أيضا ولكننا نطمح في المزيد ونطمح في فعاليات موجهة للشباب والكبار مثلا أعتقد أنه من المفيد جدا عقد ندوات عن تدوير القمامة أو التغيرات المناخية وتأثير ذلك على حياتنا في مصر أو التقدم التكنولوجي وتأثيره على حياتنا أو ندوات عن تاريخ علمائنا المصريين الذين لا نسمع عنهم أو عن تاريخ تأسيس الجامعات المصرية أو المجمع العلمي المصري أو العلماء الذين كانوا أعضاء في مجمع اللغة العربية، العلوم وتاريخ العلوم من أهم الموضوعات التي نحتاجها لبناء مجتمع علمي ولو قُدِمت للعامة لساهمت في زيادة الوعي العام بأهمية العلوم بل وحتى ندوات عن استخدام التكنولوجيا في الرياضات مثل كرة القدم ستكون مثيرة للكثير من الناس.. لنأمل أن نرى بعض هذه الندوات في المعرض القادم لأن الناس عندنا يبجلون العلماء (إنظر كيف سينظر لك الناس إذا علموا أنك أستاذ جامعي أو حاصل على جائزة علمية حتى وإن لم يفهموا تخصصك) وبالتالي يشعرون بأهمية العلم ولكن إعتقادهم بأنه شيء صعب وجاف هو ما يجعلهم يبتعدون عنه. عقد الندوات العلمية المثيرة في الفعاليات الكبرى مثل معرض الكتاب ستقرب الناس أكثر من العلم والتكنولوجيا ولا يجب أن يحتاج حضور هذه الندوات إلى معرفة علمية مسبقة أول الحصول على درجة علمية مثل الماجستير أو الدكتوراه بل ولا تحتاج إلى الحصول على أية درجة علمية، تحتاج فقط إلى فضول وشغف.. وعلى سيرة الماجستير وكما ترى عزيزي القارئ من عنوان هذا المقال هناك شيء نريد أن نقوله عن الماجستير.
وصلتني رسالة من أحد أصدقاء الفيسبوك (وهو الدكتور شادي عطية مدرس العمارة في جامعة لياج ببلجيكا) عن طلبة الماجستير وتفاعلهم مع جمهور المستفيدين من أبحاثهم.
يقول الدكتور شادي في جزء من رسالته: "طلبة الماجستير في معظم الحالات يجهلون فكرة التفاعل مع عينة تمثل جمهور المستفيدين أو ما يسمي بجمهور البحث أو المستفيدين من البحث. هناك أهمية شديدة للتفاعل مع المستفيدين من البحث أثناء عمل البحث وأهمية التعرف على مستوى رضاء المستفيدين ودراسة اتجاهاتهم وتحديد احتياجاتهم".
أنا أتفق مع الدكتور شادي في هذا الرأي للأبحاث التطبيقية وخاصة مجال مثل الهندسة المعمارية فأنت إن كنت ستصمم مبنى لفئة معينة من الناس فمن المهم معرفة ما يريدون وكيف سيستفيدون منه لأن هذا كبداية هو تعريف المشكلة (وهي تصميم مبنى ليفيد هؤلاء الناس) ثم تبدأ بحث لتصميم المبنى ليحقق أفضل النتائج وبأقل التكاليف وينسحب ذلك على الكثير من الأبحاث التطبيقية مثل الهندسة الميكانيكية والهندسة المدنية.. إلخ ولكن دعنا ننظر نظرة ميكروسكوبية إلى درجة الماجستير بعامة.. ماهو هدفها؟
الماجستير هي درجة علمية تجعلك تتعمق في فرع ما من فروع المعرفة، هذا هو التعريف العام وفي بعض الدول (ومنهم النظام التعليمي في مصر) يزيد على ذلك إعطائك خبرة في البحث العلمي، لذلك الماجستير في مصر (وكثير من الدول الأخرى) تتطلب عمل رسالة علمية في نقطة بحث معينة كجزء من متطلبات الدرجة، في أمريكا يختار الطالب إحدى الطريقتين: التعمق في فرع معين دون رسالة علمية (أي أنه يأخذ عدد معين من المواد العلمية وينجح فيها ويحصل على الدرجة) أو عمل رسالة بحثية (فيأخذ عدد أقل من المواد الدراسية ويكمل باقي المدة في عمل بحث علمي) وفي كلا الحالتين يحصل على الماجستير لذلك لا تفترض الجامعات في أمريكا أن الحاصل على الماجستير عنده خبرة بالبحث العلمي ولذلك لا يشترط التقدم للدكتوراه في أمريكا الحصول على الماجستير بخلاف عندنا في مصر.
لا نستطيع أن نقول أي الطريقتين أفضل فأمريكا أدخلت الطريقتين من باب الطلب عليها من السوق لأن الكثير من الشركات تريد من بعض موظفيها التعمق في فرع من فروع المعرفة دون تضييع وقت في بحث علمي لن يفيد الشركة.. وهناك عدد آخر قليل من الدول يكون الماجستير هو البحث العلمي دون حضور محاضرات أو مواد دراسية.. هذا عن تعريف الدرجة العلمية والفلسفات المختلفة للتعمق في فرع من الفروع .. ماذا عن نوعيات فروع المعرفة؟
ما ذكره الدكتور شادي ينطبق على العلوم التطبيقية (والتي من المفترض أن تكون أساس التقدم التكنولوجي) ولكن هناك علوم نظرية (مثل الرياضة البحتة) ولنعطي مثالا عن الفرق: العلم التطبيقي يقدم أدوات تساعد في حل مشكلة ما في حياتنا أما العلوم النظرية فهي تنتج أدوات علمية (نظريات مثلا) ولكن ليس لها تطبيق عملي في الوقت الحالي ولكن لا يعني هذا أنها بدون فائدة ولكن تعني أنها تنتج أدوات علمية ستنفع التكنولوجيا في المستقبل.. فإما أن تساعد الآن (علم تطبيقي) أو تساعد في المستقبل (علم نظري) والعلوم النظرية تساعد العلوم التطبيقية بإعطاء نظرة أكثر عمقا عن فرع ما.. ولكن هذا موضوع آخر وليس هنا موضعه.