لا أعرف السيد الوزير محافظ الجيزة الحالى..
فقط أعرف أنه السيد اللواء مهندس أو السيد المهندس اللواء ولا أعرف أيهما الصواب.. ولكن اسم سيادته غائب عن الذهن تماماً، كدت أضرب رأسى بالمقارع حتى أتذكر الاسم ولكن بلا جدوى رغم أنه سبق لى قراءة اسم سيادته فى الصحف عندما نشرت حركة المحافظين الأخيرة.
وأذكر أننى استبشرت خيراً بقدومه حيث إنه السيد اللواء ومعنى ذلك أنه رجل ضبط وربط وجدية وحزم وعزم.. والسيد المهندس المخطط المبدع المبتكر.. ولكن اسم سيادته تبخر من رأسى كأنه نقطة سبرتو فوق سطح مكشوف وفى هواء طلق..
فى البداية حزنت على نفسى أشد الحزن فقد خشيت أن يكون مرض الزهايمر قد حط علىّ فجأة.. ولكن سرعان ما عادت إلى الطمأنينة حيث إننى أتذكر كل شىء عن الجيزة التى كانت جميلة ومدهشة.. مدينة الأهرامات الثلاثة وأبوالهول وسقارة..
مدينة جامعة القاهرة ذات الأصالة والعراقة.. مدينة الحدائق والفنادق والمتاحف.. مدينة النيل صاحب العطاء الجميل الساحر.. وأيضاً تذكرت تفاصيل حدثت لى فى الطفولة حيث رأيت الأسد لأول مرة فى حياتى داخل حديقة الحيوان وأنا فى رحلة مدرسية جاءت إلى المدينة من أعماق الريف..
فلماذا أنسى اسم الرجل..؟ والضرورة تحتم على أن أكون عارفاً بالاسم.. لأنى من سكان الجيزة وتحديداً حى الدقى أكثر الأحياء قذارة وفوضوية وعبثية، وطبيعى أن يعرف المواطن اسم المحافظ الذى يدير المحافظة التابع لها..
وقد يقول قائل وأنت يهمك اسم السيد المحافظ فى إيه..!؟ ببساطة كنت أود إرسال شكوى لسيادته أقول له إن الجيزة بكامل أحيائها ومدنها تعيش أزهى عصور القذارة فى عهد السيد اللواء المهندس..
وسبب هذه النكبة أنه موجود وكأنه غير موجود.. وكأنه مسئول كبير بلا مسئوليات.. كأنه فى وظيفة شرفية منحت له على سبيل المكافأة، أو لشغل وقت الفراغ وطرد الملل بعد نهاية الخدمة الأصلية.. ولا يمكن أن نظلم الرجل فقد فرض عليه المنصب والمؤكد أنه لم يطلبه..
وفى نفس الوقت مثله مثل غيره لا يستطيع أن يرفض منحة.. ولكن مادام قبل بالمسئولية فعليه أن يتحمل أعباء هذه المسئولية حتى لو كانت شاقة ومزعجة.
والمعروف لدى الخاصة والعامة أن الحكم المحلى نظام طفيلى فاسد عمل بكفاءة على تدمير جميع المدن المصرية ومعها القرى، تدميرا ومسخا وتشويها.. كأن كل من عملوا فى هذا الحكم المحلى طبعاً مأجورون من قبل الأعداء حتى نصل إلى هذه الحالة من التخلف والانحدار والانكسار..
وللأسف الثمن زهيد وأحياناً تافه.. قد يكون الثمن وجبة طعام تسبق المعلوم.. أو هدية ذهبية، أو «جليسة رجال» لطيفة وخفيفة، عندئذ تموت القوانين وتتضخم الكروش وتقع الكوارث.
ما معنى أن تتحول شوارع مدينة مهمة إلى مزابل، هل الأمر أحد أنواع العشق..؟ هل هى خطة مدبرة، الهدف منها الإعلان المباشر عن حالة الانهيار التى وصلت إليها هذه المدينة التى كانت جميلة..
فمنذ أن شرفنا السيد المحافظ الحالى والمدينة فى محنة، أخرج من بيتى كل صباح أتأمل الأحوال المتردية وغياب الخدمات وهذه اللوحات المعلقة على جدران عقارات عديدة مكتوبا عليها «تصريح هدم»..
وحتى أثبت فقط أننى مازلت بخير أذكر أنه فى زمن ليس ببعيد وتحديداً فى عهد حكومة الدكتور الجنزورى كان هناك قرار أو قانون يحظر هدم الفيللات والقصور.. ولأن «مافيا» العقارات لا تهتم كثيرا بما يسمى قرارات أو قوانين فكان الهدم يتم فى ليل الخميس وصباح الجمعة مع الليل.. أما صباح السبت فتكون الفيللا قد أزيلت تماماً وأصبحت الأرض فضاء..
وكتبت مقالاً فى هذا الشأن فى مجلة روز اليوسف وإذا باتصال هاتفى من رئاسة مجلس الوزراء.. الدكتور بيسألك: الكلام اللى انت كاتبه صحيح وتقدر تتحمل مسئوليته..؟ قلت طبعاً ياريت الدكتور ينزل معايا فى أى ليلة خميس وأنا أخليه يشوف بنفسه..
وفعلاً حضر الدكتور فى عربة مزودة بالستائر وسوداء اللون ولكنه لم يكن الدكتور الجنزورى.. دكتور من الحكم المحلى اسمه الدكتور «شتا» نظر إلىّ من فوق لتحت بعدم ارتياح وقال اركب يا أستاذ علشان تورينا.. قلت لسيادته اتفضل اركب معايا فى عربيتى وأنا السواق بتاع حضرتك.. وطفت به فى حى الدقى والمهندسين وأتوقف أمام كل عملية هدم تجرى وسيادته يسجل فى نوتة..
هذا الرجل قرأت اسمه أخيراً فى قضية ردم لا قضية هدم؛ ردم البحر الأحمر فى الغردقة وخلافات على امتلاك الأراضى..
ما علينا.. الآن وبالقانون وعلناً تتم عمليات الهدم والإزالة حيث تختفى الفيللات والعمارات الصغيرة وترتفع الأبراج العملاقة.. فإذا قلنا وأين البنية الأساسية التى سوف تستوعب كل ما يترتب على هذه الزيادة السكانية؟..
ما هى قدرة المرافق: المياه والكهرباء والصرف الصحى وبقية الخدمات؟.. فإذا تركنا كل هذه الأساسيات فلا يجب أن نهمل مشكلة الشوارع الضيقة والمزدحمة بل والمغلقة من الآن وعلينا أن نتصور أحوالها مع هذه الزيادة التى لا تحتمل على الإطلاق..
فإذا علمنا أن العقارات الجديدة كلها مشروعات استثمارية وستكون مقرات لشركات ومؤسسات وبنوك فاعلموا أن تصريح الهدم هو تصريح بهدم المدن والأحياء بكاملها.. نحن فى دولة تعمل لخدمة أسيادها.. وأسياد دولتنا هم رجال الأعمال تجار الأراضى وتجار الحديد والأسمنت والسيراميك.. لا يهم ما يحدث غداً..
المهم أن تربح اليوم وبأى طريقة.. والربح متاح لكل من لديه القدرة على إصدار ترخيص هدم أو الحصول على ترخيص هدم.. وباب المنافسة مفتوح.. والرابح الأكبر هو المستثمر الذى سيحصل على ترخيص بهدم هذا البلد.