هناك أكثر من سبب يدعونا إلى أن نفعل ذلك.
أولا: أن الذين ضحوا بحياتهم من أجل أن يعيش هذا البلد آمنا مطمئنا مستقرا فإن أقل شىء نفعله لهم ولأسرهم أن نحتفل بهم ونحيى ذكراهم ونتذكر بطولاتهم وتضحياتهم وشهامتهم وإيثارهم للبلد على حساب أنفسهم وأسرهم.
السبب الثانى: هو اأنه لا يمكن لنا أن نزرع روح الولاء والانتماء للأجيال الجديدة وندعوهم للتضحية من أجل هذا الوطن، من دون ألا نحتفل ولا نحيى ذكرى أولئك الذين دفعوا حياتهم ثمنا من أجل هذا البلد.
وما بين هذين السببين هناك العديد من الأسباب والأفكار والحكايات والدروس للاحتفال بيوم الشهيد الذى يوافق ذكرى استشهاد الفريق أول عبدالمنعم رياض رئيس أركان القوات المسلحة على الجبهة فى ٩ مارس ١٩٦٩، حينما أصر على الوجود مع جنوده على جبهة قناة السويس فأصابته شظية إسرائيلية فاستشهد، وصار نموذجا ومثلا ونبراسا للشهداء، وبعدها صرنا نحتفل بيوم الشهيد يوم ٩ مارس من كل عام.
صباح الخميس الماضى ولمدة زادت على ٤ ساعات احتفلت مصر بيوم الشهيد فى إطار الندوة التثقيفية رقم ٣٧، وخلالها شاهدنا العديد من الفقرات الفنية والأفلام التسجيلية بالصوت المميز للعميد ياسر وهبه، وقد نجحت الشئون المعنوية للقوات المسلحة فى إعداد وإخراج الاحتفال فى أبهى صوره.
حينما قام الرئيس عبدالفتاح السيسى بتكريم أسر الشهداء والمصابين وحرصه على الحديث معهم والاستماع إليهم، رأيت كثيرين من الحاضرين يبكون متأثرين، وهم يستمعون إلى أهالى الشهداء، وأظن أن مثل هذه الفقرات من أكثر المشاهد تأثيرا خصوصا فى الأجيال الجديدة، حتى تعرف أن هناك الكثيرين الذين قدموا حياتهم حتى ننعم بالأمن والأمان.
أى دعم ومساندة وتشجيع يتم تقديمه لأسر الشهداء هو قليل مقارنة بالثمن الذى دفعه الشهداء، وآلام الفقد والفراق التى يتحملها الأهل سواء كانوا أولادا صغار للشهداء أو زوجات شابات، أو آباء وأمهات رأوا فلذات أكبادهم يذهبون فى عز الشباب.
إذا كنا نريد تنمية حقيقية وتقدم لهذا البلد، فلابد أن نحرص دائما على تكريم الشهداء، لأنه ليس ممكنا أن تكون هناك تنمية من الأساس فى ظل وجود الارهاب، فالاستقرار شرط جوهرى لأى عملية تقدم وتنمية، وبالتالى فإن الشهداء كانوا حجر الأساس فى تمهيد الطريق لعملية التنمية.
وأظن أن السبب الجوهرى الذى يجعلنا ويجعل أى أمة عاقلة رائدة تحتفل بشهدائها ومصابيها هو زرع فكرة الانتماء فى أفضل صورها فى نفوس الشباب صغير السن، خصوصا الجنود والضباط.
خلال احتفال يوم الخميس رأيت شباب القوات المسلحة الذين كانوا يجلسون فى الدور العلوى من قاعة الاحتفال بمركز مؤتمرات المنارة، وهم شديدو التأثر بفقرات الاحتفال خصوصا قصص الشهداء وتضحياتهم.
ومن المهم أن يكون هذا الشعور موجودا فى نفوس كل الأجيال الجديدة وليس فقط الضباط والجنود فى القوات المسلحة والشرطة.
ولكى يتحقق ذلك على أرض الواقع فإن الاحتفالات وحدها لا تكفى. مطلوب أن تكون قصص الشهداء وبطولاتهم وتضحياتهم موجودة فى المدارس والجامعات ووسائل الإعلام والفنون، ومتاحة لكل المجتمع خصوصا الصغار منهم الذين لن يعرفوا معنى التضحية والفداء إلا حينما يسمعون قصص هؤلاء الأبطال وسيرهم وبطولاتهم.
هم سيعرفون ذلك من المدرسة ومن البيت والمدرسة والجامعة والنادى ووسائل الإعلام التقليدية والاجتماعية.
وعلينا هنا أن نركز أكثر على دور الفنون من الأغنية إلى الفيلم مرورا بالمسلسلات والمسرحيات.
ونتذكر أهمية مسلسل مثل «الاختيار» بأجزائه المختلفة فى رفع وعى الناس بدور الشهداء. ونتذكر أغانى مثل «أنا أم البطل» لشريفة فاضل. ومسرحيتى الراحل الكبير عبدالرحمن الشرقاوى«الحسين ثائرا» و«الحسين شهيدا» والعديد من الأعمال الفنية التى خلدت الشهداء.
تكريم الشهداء والاحتفاء بهم مهم جدا ليس فقط لأنهم يستحقون ذلك هم وأقاربهم، ولكن من أجل أن تستمر روح التضحية متأصلة فى الأجيال القادمة.