بعد الأحداث الإرهابية فى شبه جزيرة سيناء، زاد الحديث فى بعض وسائل الإعلام العربية عن شراكة أمنية واستخباراتية بين مصر وإسرائيل، وترديد عبارة أن «مجىء السيسى أهم معجزة أمنية حدثت لإسرائيل».
وكأن مصر كانت تعيش حال حرب مع الدولة العبرية خلال فترة حكم «الإخوان»، فضلا عن ندوات ومقالات وبرامج تستفيض فى الحديث عن أن ما تفعله مصر فى سيناء يشكل حماية لأمن إسرائيل، وسيفضى فى نهاية المطاف إلى تحالف عسكرى وأمنى مُعلن بين القاهرة وتل أبيب، لمواجهة الجماعات الإسلامية فى سيناء، بل إن بعضهم بالغ إلى حد القول إن تعيين مساعد وزير الخارجية المصرى حازم خيرت، سفيرا جديدا لدى إسرائيل، وعرض مسلسل «حارة اليهود»، والتهنئة المصورة التى قدمها السفير الإسرائيلى فى القاهرة حاييم كورن إلى الشعب المصرى بحلول شهر رمضان، مقدمات لقرب التطبيع الثقافى بين الجانبين.
هذه الحملة ضد مصر، تسعى إلى تصوير ما يحصل فى سيناء بوصفه مواجهة بين الجماعات الإسلامية وإسرائيل برعاية الجيش المصرى، والهدف ليس تشويه صورة الجيش المصرى فحسب، بل كذلك تسويغ الإرهاب. القنوات المحسوبة على جماعة «الإخوان المسلمين»، هى التى تنفذ الحملة، لكنها تديرها بطريقة متواضعة مهنيا، وتستند إلى معلومات مغلوطة، لذلك يصعب تمريرها على المصريين، فضلا عن بقية العرب، خصوصا أنها تصوِر الجيش الذى واجه إسرائيل، وهزمها، وقدم آلاف الشهداء، وهدم أسطورة الجيش الذى لا يُقهر، وكأنه يتنكر لماضيه المُشرِف، وهذا اتهام يُعد سابقة فى التجاوز والقبح.
بعض الفضائيات العربية الموالية لجماعة «الإخوان» تشارك فى هذه الحملة، لكن معظمها يأتى من قنوات مقرها تركيا التى تعترف بإسرائيل منذ العام 1949، وترتبط معها بعلاقات استراتيجية وعسكرية، فضلا عن تبادل الخبرة بينهما فى تدريب الطيارين المقاتلين، وتنظيم مناورات مشتركة، وتعاون فى التصنيع العسكرى. لكن إعلام «الإخوان»، وغيره من التيارات الإسلامية ينكر أن روابط الغربة فى هذا المحيط العربى، هى التى تجمع تركيا وإسرائيل وإيران، وإذا جاء الحديث عن العلاقات بين أنقرة وتل أبيب، لا تتذكر جماعة الإسلام السياسى سوى «معارك» منتدى دافوس الكلامية بين رجب طيب أردوغان وشمعون بيريز، أو مقاطعة الإسرائيليين القهوة التركية، أو الحديث عن سفن كسر الحصار البحرى الإسرائيلى المفروض على قطاع غزة، والتى أصبحت وسيلة للدعاية يستخدمها رجال السياسة، وأعضاء البرلمانات فى بعض دول المنطقة، حتى إن بعضنا بات يشك فى أن هناك شركات غربية تتولى بيع هذه الخدمة للسياسيين، والباحثين عن شهرة.
لا شك فى أن الدعاية السياسية تستخدم وسائل غير مشروعة لتحقيق أغراضها، لكن ما يفعله بعض القنوات المتعاطفة مع جماعة «الإخوان المسلمين»، وصل إلى حد الفجر فى الخصومة.
الحياة ــ لندن
داود الشريان