حتمية سرقة زهرة الخشخاش - جلال أمين - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 2:17 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حتمية سرقة زهرة الخشخاش

نشر فى : الجمعة 10 سبتمبر 2010 - 11:03 ص | آخر تحديث : الجمعة 10 سبتمبر 2010 - 11:03 ص

 عندما وقع ذلك الحادث المأساوى لقطار الصعيد منذ ثمانى سنوات، والذى راح ضحيته عدة مئات (والبعض قال آلاف) من المصريين، كانت الصدمة كبيرة بالطبع، ولكن عندما أخذت المعلومات تتوالى على الناس عن ملابسات الحادث، وعن درجة تكدس الناس فى العربات، وصعوبة إيقاف القطار بسبب تعطل آلات الإنذار، وصعوبة الهرب من القطار لأن الناس والحقائب والقفف كانت تملأ الممرات، ولم يكن من السهل الوصول إلى الأبواب أو القفز من النوافذ، وعندما عرف أن سبب الحريق وجود موقد كيروسين فى داخل إحدى العربات، يستخدمه رجل فقير كمصدر للرزق بأن يبيع أكواب الشاى للركاب، وهو طبعا أمر غير مسموح به ولابد أن مفتش القطار تغاضى عنه كوسيلة أيضا لكسب الرزق.. إلخ.

 

عندما عرف الناس كل هذه التفاصيل بدا الحادث منطقيا تماما، ومعقولا للغاية. وبدا الغريب فقط أن مثل هذا الحادث لا يتكرر كل يوم، وأن قطارا بعد آخر من قطارات الصعيد يصل سالما بركابه، يوما بعد يوم، دون حريق أو تصادم.

 

كذلك عندما وقع حادث سرقة لوحة زهرة الخشخاش لفان جوخ منذ أسابيع قليلة، وهى لوحة تقدر قيمتها بخمسين مليون دولار، فى وضح النهار، ودون أن يبدو أن السارق قد استخدم أى وسيلة من وسائل العنف أوطريقة تكنولوجية حديثة يتجنب بها اطلاق صفارات الإنذار، أو يعطل بها الكاميرات المسلطة على اللوحات، ودون أن يترك أى أثر يمكن من القبض عليه.. إلخ. عندما حدث ذلك بدا الأمر غريبا جدا ومدهشا لأول وهلة، ولكن عندما توالى نشر التفاصيل عن الحادث فعرفنا أن معظم الكاميرات كان معطلا من الأصل، وأن حراس المتحف الموجودين فى وقت الحادث كان عددهم ضئيلا جدا ومعظمهم أو كلهم كانوا منشغلين بشىء آخر عن الحراسة، إما بتناول الطعام أو بأى عذر آخر مكنهم من الانصراف فى غير موعد الانصراف، ثم سمعنا أن الوزير يتهم مدير المتحف، ومدير المتحف يتهم الوزير إلى درجة أن مدير المتحف رفع قضية على الوزير اتهمه فيها بإرسال رجال للبحث فى مكتبه عن أى أوراق قد تفيد فى إبراء ذمته من تهمة التقصير.. إلخ.

 

عندما سمعنا كل هذه التفاصيل وأكثر، بدا الحادث طبيعيا للغاية ومنطقيا جدا، وأصبح الشىء الغريب فقط هو: كيف لا يحدث حادث كهذا كل يوم؟ وكيف لايزال لدى مصر عدد كبير من التحف المعروضة فى المتاحف، أو الموضوعة فى المخازن؟ كيف لا يتكرر مثل هذا الحادث يوميا فى المتاحف المصرية، وحالة الجميع هى على ما تعرف: حالة الحراس ورواتبهم والمديرين وطريقة تعيينهم، والوزراء وسهولة التخلص من مسئولياتهم... إلخ؟

جلال أمين كاتب ومفكر مصري كبير ، وأستاذ مادة الاقتصاد في الجامعة الأمريكية ، من أشهر مؤلفاته : شخصيات لها تاريخ - ماذا حدث للمصريين؟ - عصر التشهير بالعرب والمسلمين - عولمة القهر : الولايات المتحدة والعرب والمسلمون قبل وبعد أحداث سبتمبر.
التعليقات