يلتقى الكاتب الكويتى الشاب سعود السنعوسى بجمهوره فى القاهرة يوم الجمعة المقبل فى حفل توقيع تنظمه مكتبة «تنمية» للطبعة المصرية من روايته الجديدة «ناقة صالحة».
وقد صدرت الرواية منذ أقل من شهر لكن صاحبها أصر على تكون القاهرة محطته الأولى ضمن جولات توقيع الرواية التى نشرت فى بيروت والعراق ووجوده هنا هو أولا موقف تضامنى مع صاحب «تنمية» الذى يمر بمحنة لعلها تنقضى قريبا.
والأمر الثانى الذى أراده السنعوسى هو التأكيد على خصوصية علاقته مع جمهور القراء فى مصر وهى بحد ذاتها علاقة تحتاج إلى تأمل خاص لأنه أول كاتب من الخليج يحظى بهذه الشعبية فقد استمر حفل توقيع روايته «حمام الدار» فى معرض القاهرة للكتاب فى العام قبل الماضى نحو أربعة ساعات متواصلة.
وأهم ما يميز السنعوسى الذى أصبح اليوم من بين أبرز الأصوات الروائية الشابة فى عالمنا العربى إصراره الدائم على المغامرة، فهو لم يستسلم لفكرة «البيست سيللر» التى بلغها مع فوز روايته الأشهر «ساق البامبو» بجائزة البوكر العربية عام 2013 بل استمر بعدها فى تقديم انتاج روائى متنوع.
ومن يقرأ روايته «حمام الدار» التى سبقت الرواية الجديدة يلمس فيها بوضوح هذا الولع المحموم بالتجريب والمغامرة التى يخشاها كل كتاب «البيست سيللر» الذين يستسلم أغلبهم للوصفات الشائعة استجابة لـ«ما يطلبه القراء» ولا يفكرون ابدا فى الانطلاق بجمهورهم إلى منطقة أخرى.
وذات يوم قال لى الشاعر الراحل محمود درويش لا يمكن لأى كاتب أو فنان حقيقى ان يستسلم لجمهوره، لأن الواجب عليه أن يأخذهم معه إلى حيث يريد، فالكتابة رهان لا يمكن ان تربحه دون مغامرة.
وفى «ناقة صالحة» المغرية بحجمها الصغير جدا يغامر السنعوسى على أكثر من صعيد فهو يعود إلى واقعة غامضة وملتبسة فى التراث الشعبى الكويتى جرت فى بدايات القرن العشرين وتخص منطقة جغرافية عرفت باسم «ديار صالحة» جرى ذكرها فى عدة سرديات شعبية لكنه يبث النار من جديد فى وقائع العلاقة بين الشاعر دخيل بن أسمر وابنة عمته صالحة آل مهروس التى كانت تعرف بـ«ناقشة الحناء».
يتماهى الكاتب فى أحداث روايته أغنية قديمة تُعزَف على الربابة وتتغنى بالفقدان، اسمها «الخلوج»، تصف ناقة تفقد وليدها أثناء الوضع. كما ينتج فى نفس الوقت نصا موازيا لقصائد الشاعر دخيل الخليفة.
يحرر السنعوسى واقعة الحب الذى لا يكلل بالزواج من طابعها الأسطورى ويقدمها فى صورة مجردة كأى «قصة حب» يمكن أن تثير خيال القراء ويحتفظ فى نفس الوقت بما فى التاريخ من وقائع وشواهد يمكن استثمارها فيما يريد انتاجه من معرفة جديدة.
وأحسب أن هذا هو جوهر الدور الذى يمكن للرواية أن تؤديه اليوم، فهى إلى جانب المتعة نص ثقافى متعدد الخطابات. فبالامكان تأمل مكانة المرأة فى المجتمعات الطوطمية وبالإمكان كذلك التفكير فى غنى هذه المجتمعات بالرموز والأساطير التى لا تزال قادرة على إثارة الدهشة.
والميزة الأخرى التى يكتشفها قارئ «ناقة صالحة» أن السنعوسى كتب سرديته الجديدة بلغة مثيرة فى قدرتها على الالتصاق بزمن القص وتأكيد خصوصيتها التاريخية، حتى أن القارئ فى لحظات كثيرة يتساءل عن علاقة لغته المعاصرة بهذا النسيج الفريد الذى أوجده الكاتب واستعاده من الماضى بكل ما فيه من طزاجة، واللغة على فصاحتها الشديدة تبدو حية وناصعة ويومية وهذا هو التحدى الأكبر لأى كاتب.