لا أظن أنه توجد كلمات تكفى للتعبير عن مدى اعتزازى بمهنة المحاماة وبنقابة المحامين التى أنتمى إليها منذ عام ١٩٨٧ وبالدور الذى قامت به على مر العقود الماضية فى حماية الحقوق والحريات ودولة القانون. ولهذا فيؤسفنى متابعة موقف بعض الزملاء المحامين وأعضاء مجلس النقابة فى الاعتراض على سريان قانون ضريبة القيمة المضافة على مهنة المحاماة لما فى هذا الموقف من مخالفة للعدالة والقانون ولرسالة المحاماة فى المجتمع المعاصر.
ضريبة القيمة المضافة السارية منذ يوم ٨ سبتمبر ٢٠١٦ تقع على جميع السلع والخدمات إلا ما كان منها مستثنى بنص خاص. وهى تشمل نشاط المحاماة باعتباره بيعا لخدمة مهنية. وقد حدد القانون لها نسبة ١٠٪، وهى أقل من السعر العام للضريبة البالغ ١٣٪ لمدة عام و١٤٪ من سبتمبر القادم. وما يطالب به المحامون ــ أو بعضهم على الأقل ــ هو اعفاء مهنة المحاماة من هذه الضريبة تأسيسا على أنها مهنة ضرورية لحماية حقوق المواطنين، وأن الضريبة سوف تحد من قدرة محدودى الدخل على التمتع بهذه الحماية، وأنه بما أن الخدمات الطبية معفاة من الضريبة فإن المساواة تقتضى أن يتمتع المحامون بنفس المعاملة.
شخصيا وبرغم تحفظى على توقيت تطبيق الضريبة الجديدة نظرا لأثرها التضخمى فى وقت يعانى فيه المجتمع من ارتفاع شديد فى الأسعار، وانزعاجى من تطبيقها بشكل متعجل دون توضيح للعديد من أحكامها التنفيذية، إلا أننى من حيث المبدأ مؤيد للأخذ بضريبة القيمة المضافة لما تؤدى إليه من توسيع قاعدة دافعى الضرائب، وتشجيع تحول الأنشطة الاقتصادية المستترة إلى القطاع الرسمى وخاصة النشاط المهنى الذى كثيرا ما يفلت أصحابه من ضريبة الدخل.
ولكن ما يزعجنى فى موقف المحامين والنقابة ليس اعتراضهم على الضريبة فى حد ذاتها، بل مطالبتهم بإعفاء المهنة القانونية من تطبيقها مع استمرار العمل بها على سائر أنشطة المجتمع السلعية والخدمية. وهذا ما أجده متعارضا مع رسالة المحاماة المقدسة فى الدفاع عن الحق والعدالة والمساواة. والأسباب التى يسوقها زملائى المحامون غير مقنعة. فكما أن الخدمات القانونية ذات طبيعة خاصة فإن العديد من الخدمات والسلع التى شملتها الضريبة ذات طبائع خاصة وضرورية للمجتمع. والقول بأن فرض الضريبة على المحامين يحد من قدرة المواطنين على الحصول على حقوقهم القانونية ليس فى محله لأن ما يقيد حصول الناس على حقوقها هو النظام القانونى والقضائى شديد البطء والتكدس والذى لم يتطور لعقود طويلة. وتمكين محدودى الدخل من التمتع بحقهم فى التقاضى له آليات مختلفة تماما على رأسها اطلاق حرية الجمعيات الأهلية التى تعمل فى جميع مجالات الحماية القانونية وليس إعفاء المحامين من دفع الضرائب. وأخيرا فإن الاحتجاج بأن الخدمات الطبية قد تم إعفاؤها ليس فى محله لأن المتمتع بالإعفاء الضريبى فى القانون الجديد هو الخدمات الطبية ذاتها ــ أى المستشفيات والمراكز الصحية ــ وليس الأتعاب المهنية للأطباء. وعلى أى حال فَلَو كان فهمى خاطئا وكانت أتعاب الأطباء أيضا معفاة لوجب المطالبة بخضوعها للضريبة لا الاقتداء بها.
القضية التى يجب أن نقف وراءها جميعا هى التطبيق العادل والمتكافئ للضرائب بشكل عام، وضرورة مواجهة ظاهرة التهرب الضريبى المنتشرة بشكل خطير بما يجعل العبء الضريبى الأكبر يقع على عاتق موظفى الدولة الذين تستقطع الضريبة من دخولهم قبل ان يقبضوها، ومن عدد من الشركات المصرية والأجنبية الحريصة على سلامة دفاترها، ومن العاملين لدى الجهات التى تدير شئونها المالية بشكل سليم. ولكن تظل هناك مساحات شاسعة من النشاط الاقتصادى لا تعرف الضرائب ولا تعترف بها. وبقاؤها خارج دائرة التحصيل الضريبى هو ما يؤدى إلى تفاقم عجز الموازنة وزيادة العبء الملقى على كاهل ذات الدائرة من العاملين والشركات المسجلين رسميا والمحافظين على سلامة دفاترهم. وهناك من يبررون استمرار هذا الحال من منظور يبدو للوهلة الأولى تقدميا ومناصرا للفقراء، وهو أن ادخال كل نشاط اقتصادى فى القطاع الرسمى سوف يأتى على حساب أصحاب المهن والأنشطة الصغيرة ومحدودى الدخل. ولكن الحقيقة أن المستفيدين الحقيقيين من بقاء هذه المساحات الكبيرة من النشاط الاقتصادى خارج دائرة الضوء ليسوا الفقراء والمعدمين لأن دخولهم ضعيفة وأرباحهم لا تكاد تذكر، بل المستفيد هم أصحاب الدخول الكبيرة من الأنشطة المهنية والتجارية وغيرها ممن يحتمون من الدولة وضرائبها تحت شعار حماية الأنشطة الهامشية من الدخول فى الإطار الرسمى.
لكل ما سبق فإننى أناشد نقابة المحامين وزملائى الذين يتبنون هذه القضية أن يعيدوا تقدير موقفهم، ويتجردوا من البحث عن حماية مصلحة مهنية لا تتفق والصالح العام، ويتذكروا أن واجبهم هو التصدى بكل حزم لمحاولات أى فئة أخرى فى المجتمع لتمييز نفسها ومنح أعضائها مزايا لا يستحقونها أو تتعارض مع مبادئ العدالة والمساواة والمواطنة. وإن كان هناك حوار مطلوب مع الدولة ووزارة المالية حول ضريبة القيمة المضافة برمتها وآثارها التضخمية وصعوبات تطبيقها والعبء الذى تلقيه على المجتمع فى هذه الأوقات العصيبة فلا بأس من ذلك، ولكن شريطة أن يكون حوارا شاملا للجميع وليس مستندا إلى حماية مهنة أو فئة بعينها.