يختزل البعض، خاصة صناع الأعمال الفنية، حرب أكتوبر المجيدة، التى نحتفل بمرور 49 عاما عليها، فى يوم العبور العظيم، على الرغم أن الملحمة الوطنية التى تمت فى السادس من أكتوبر لا تقف عند هذا اليوم وحده فقد سبقه ولحقه العديد من المعارك التى أثبتت قدرة القوات المسلحة المصرية على إلحاق الهزيمة بعدو زعم أنه لا يقهر.
فى أعقاب هزيمة 5 يونيو 1967، ظن العدو الإسرائيلى، أنه ضمن البقاء إلى الأبد فى الأراضى التى احتلها، وأن على الطرف الآخر التسليم بالواقع الجديد، معتقدا، وفقا للمؤرخ العسكرى جمال حماد، أن حالة اللاحرب واللاسلم باقية لعشر سنوات على الأقل، وأن العرب على طريق التسليم، ولذلك جلس وزير الحرب الإسرائيلى موشى ديان إلى جانب التليفون فى انتظار مكالمة، لم تأتِ أبدا، من المهزوم لتقديم «فروض الطاعة»!!
أوهام ديان تبددت بعد أقل من شهر، ففى الأول من يوليو 1967 سجل الجنود المصريون حضورهم فى معركة رأس العش عندما تقدمت قوة إسرائيلية من مدينة القنطرة شرق فى اتجاه بورفؤاد لاحتلالها، وهى المنطقة الوحيدة فى سيناء التى لم تحتل أثناء حرب يونيو، غير أن قوة صغيرة من رجال الصاعقة المصرية لقنت الإسرائيليين درسا أجبرهم على الفرار، لتظل بورفؤاد تحت السيطرة المصرية حتى نشوب حرب أكتوبر 1973.
هزيمة الإسرائيليين فى رأس العش دفعت مجموعة من طائراتهم لمحاولة قصف مواقع المدفعية المصرية على الضفة الغربية للقناة، فكان الرد فى 14 أكتوبر 1967، بقيام عشرين طائرة حربية بالهجوم على تجمع للدبابات والعربات المدرعة الإسرائيلية فى القطاع الجنوبى من الجبهة، قبل أن تأتى الضربة الكبرى فى 21 أكتوبر 1967 حين تمكنت القوات البحرية المصرية من إغراق المدمرة إيلات التى حاولت التحرش بمياهنا الإقليمية شمال بورسعيد.
هذه المعارك وغيرها مهدت الطريق أمام حرب الاستنزاف التى صقلت قواتنا ورفعت من قدراتها وروحها المعنوية قبل أن نصل إلى يوم العبور العظيم فى السادس من أكتوبر وما تلاه من معارك امتدت حتى وقف إطلاق النار فى 22 أكتوبر 1973.
لا أحد ينسى معارك الطيران والدفاع الجوى فى يوم 7 أكتوبر 1973 عندما حاول الإسرائيليون الهجوم على المطارات المصرية بنحو 160 طائرة من على ارتفاع منخفض فوق البحر المتوسط، لكن الطيارين الإسرائيليين الذين كانوا يعيشون على أوهام 5 يونيو لاذوا بالفرار، وفى اليوم التالى 8 أكتوبر «عززت قوات الجيشين الثانى والثالث من أوضاعهما فى سيناء»، بالتزامن مع خوض العديد من المعارك الناجحة على مدى اليوم.
لا يمكن لأحد، أيضا أن ينسى المعارك الشرسة التى خاضتها القوات المصرية، ودفعت تل أبيب إلى طلب المعونة العاجلة من الولايات المتحدة الأمريكية التى قررت مدها بجسر جوى يوم 13 أكتوبر، لنقل أكثر من 22 ألف طن من الأسلحة والمعدات والذخيرة لدعم القوات الإسرائيلية التى استهلكت مخزونها الاستراتيجى من الأسلحة.
فى ذكرى النصر العظيم لا بد أن نتذكر يوم 14 أكتوبر 1973 عندما حاولت المقاتلات الإسرائيلية تدمير القواعد الجوية المهمة فى طنطا والمنصورة والصالحية، قبل أن تتصدى لها القوات الجوية المصرية وتسقط لها 18 طائرة ليتحول هذا اليوم المشهود إلى عيد لقواتنا الجوية. وضمن المعارك لا يمكن أن يغادر ذاكرتنا أيضا معركة «المزرعة الصينية» يومى 15 و16 أكتوبر، شرق الإسماعيلية، وهى واحدة من أشد معارك القوات البرية ضراوة.
ما أحوجنا أن نتذكر، وأن نذكر الأجيال الجديدة، نحلل ونناقش، فى مثل هذا الوقت من كل عام ما حدث يوم 6 أكتوبر 1973، وأن نقف على ما قدمه المصريون، جيشا وشعبا، من تضحيات لا يمكن اختزالها بأية حال فى لحظة العبور وحدها، فالقصص والمعارك والبطولات أكثر من أن تعد أو تحصى، ولا تزال تحتاج أن تروى، فقد جسدت إرادة شعب جاء بنصر من رحم الهزيمة.