نشر المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية مقالًا للكاتب أحمد سلطان، تناول فيه التحديات المناخية التى تصاحب انعقاد القمة فى أذربيجان، والتي تبدأ اليوم 11 نوفمبر حتى 22 من نفس الشهر، كما تطرق إلى تجربة الأخيرة فى مكافحة التغير المناخى، واختتم المقال بالجهود المطلوبة للتصدى لهذه الأزمة.. نعرض من المقال ما يلى:
بعد الإنجازات التى تحققت فى مؤتمر COP28 بدبى، تتجه أنظار العالم الآن إلى مؤتمر COP29 فى أذربيجان. يأتى هذا المؤتمر فى وقت حرج يتطلب من الدول اتخاذ إجراءات جذرية لتنفيذ الالتزامات المناخية وتعزيز التعاون الدولى؛ حيث يُعتبر COP29 بمثابة منصة حاسمة لتحديد مسار جديد نحو مستقبل مستدام، ومن المتوقع أن يشهد نقاشات مكثفة حول الحلول المبتكرة والطموحة لمواجهة التغير المناخ.
يأتى انعقاد النسخة التاسعة والعشرين لمؤتمر الأطراف فى باكو، أذربيجان، فى خضم أزمة مناخية غير مسبوقة، فى ظل ارتفاع درجات الحرارة وتواتر الكوارث الطبيعية، هذا المؤتمر يهدف إلى جمع صناع القرار من مختلف أنحاء العالم للتباحث فى الحلول العملية التى من شأنها الحد من آثار التغير المناخى والتكيف معه.
من خلال استضافة هذا المؤتمر، تهدف أذربيجان إلى إلهام العالم وتسريع التحول نحو مستقبل أكثر استدامة. وتقع أذربيجان فى قلب أحد أهم ممرات الطاقة والتجارة فى العالم؛ ما يجعلها تواجه تحديات بيئية فريدة، فاعتمادها على الموارد الطبيعية غير المتجددة، إلى جانب تأثيرات التغير المناخى، يهدد بتفاقم المشاكل البيئية فى البلاد. ومع ذلك تسعى أذربيجان جاهدة للعثور على حلول مستدامة لهذه التحديات، من خلال الاستثمار فى الطاقة المتجددة وتعزيز الكفاءة البيئية. وتُعد أذربيجان رائدة إقليميًا من حيث تطبيق الأساليب المبتكرة التى تهدف إلى الانتقال إلى الطاقة الخضراء وتقدم إسهام ملموس فى مكافحة آثار تغير المناخ.
• • •
يشير التقرير الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إلى أن ارتفاع درجة الحرارة العالمية بمقدار حوالى 1.1 درجة مئوية قد تتسبب فى اضطرابات واسعة النطاق فى النظم البيئية؛ ما يؤكد الحاجة الملحة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهة تغير المناخ.
شددت الأمم المتحدة على أن تحقيق الأهداف المناخية يتطلب تعاونًا دوليًا مكثفًا، بما يقتضيه ذلك من نقل التكنولوجيا؛ حيث يتعين على الدول المتقدمة تقديم الدعم التكنولوجى للدول النامية؛ ما يساعدها على الانتقال إلى مصادر الطاقة النظيفة وتطوير بنيتها التحتية.
• • •
تُمثل استضافة أذربيجان لمؤتمر المناخ COP29 فرصة ذهبية لعرض إنجازاتها الرائدة فى مجال الطاقة المتجددة، وحشد الدعم العالمى لتعزيز التعاون المناخي. ويعتبر هذا الحدث العالمى، الذى يُعقد الشهر الجارى، تتويجًا لجهود الرئيس إلهام علييف، ويعكس مكانة أذربيجان المتزايدة على الساحة الدولية، خاصة بعد رئاستها لحركة عدم الانحياز وعضويتها فى مجلس الأمن.
شهد قطاع الطاقة المتجددة فى أذربيجان نموًا لافتًا مؤخرًا، بفضل مشروعات ضخمة تضع تصدير الكهرباء النظيفة إلى أوروبا نُصب أعينها. وفى خطوة جريئة نحو مستقبل أكثر استدامة، أعلنت أذربيجان عن تحويل الأراضى المحررة إلى منطقة طاقة خضراء، هذا المشروع الطموح يهدف إلى الاستفادة من الإمكانات الهائلة للطاقة المتجددة فى إقليم قره باخ، وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة فى المنطقة، وتشمل هذه الإمكانات توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية والرياح والطاقة الكهرومائية؛ مما أسهم فى تقليل الاعتماد على الوقود الأحفورى وتحقيق أهداف الحياد الكربونى، وعليه شهد عام 2024 زيادة ملموسة فى إجمالى الاستثمارات المباشرة لقطاع الطاقة المتجددة فى العالم (حوالى 2 تريليون دولار).
لقد حددت أذربيجان أولوياتها بأن تصبح دولة البيئة النظيفة والنمو الأخضر فى ضوء إعلان عام 2024 عام التضامن من أجل العالم الأخضر، بموجب مرسوم صادر عن الرئيس إلهام علييف رئيس جمهورية أذربيجان وهو إجراء مهم لإظهار التأكيد على القيمة المعطاة لهذه المهمة، لا سيما وأن تغير المناخ يعتبر القضية الحاسمة فى العصر الحالى. وعليه، مع تزايد حدة آثار تغير المناخ، يزداد الضغط على الحكومات لاتخاذ إجراءات أكثر فاعلية لمواجهة هذه الأزمة العالمية؛ حيث يعانى حوالى 80% من سكان العالم من تداعيات تغير المناخ؛ ما يدفعهم إلى المطالبة بتقليص الاعتماد على الوقود الأحفورى والانتقال إلى مصادر طاقة نظيفة.
أمام ما تقدم، تُعد أذربيجان من بين الدول التى تُولى اهتمامًا خاصًا لمكافحة تغير المناخ وآثاره السلبية وفقًا للالتزامات الناشئة عن أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، وليس من قبيل الصدفة أن يتم تعريف إحدى الأولويات الوطنية الخمس للتنمية الاجتماعية والاقتصادية لأذربيجان حتى عام 2030 بأنها بلد البيئة النظيفة والنمو الأخضر ببرنامج أذربيجان 2030، فى فبراير 2021، بالإضافة إلى ذلك فقد اعتمدت البلاد قانون استخدام مصادر الطاقة المتجددة فى إنتاج الكهرباء فى مايو 2021، لتسريع التحول إلى الطاقة النظيفة.
تضع أذربيجان تطوير الطاقة الخضراء على رأس أولوياتها الوطنية، وذلك ضمن جهودها لتحقيق بيئة نظيفة ونمو اقتصادى مستدام. وتؤكد استراتيجية التنمية الوطنية للأعوام 2022-2026 على هذا التوجه؛ حيث تستهدف زيادة حصة الطاقة المتجددة فى إنتاج الكهرباء إلى حوالى 24% بحلول عام 2026 و30% بحلول عام 2030، مستفيدة من مواردها الطبيعية الغنية. تتميز أذربيجان بكونها دولة رائدة فى مجال الطاقة المتجددة؛ حيث لا تقتصر على مجرد الإعلانات النظرية، بل تسعى جاهدة لتحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع، وتُظهر ذلك الأهداف الطموحة التى وضعتها لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة حوالى 35% بحلول عام 2030 و40% بحلول عام 2050، ما يعكس التزامها بالانتقال إلى اقتصاد أخضر مستدام. وهنا تجدر الإشارة إلى أن العالم يستهدف إنتاج ثلثى الطاقة الكهرباء من الطاقة المتجددة (حوالى 17% الوضع الحالى).
• • •
رغم كونها دولة غنية بالنفط الخام والغاز الطبيعى، تسعى أذربيجان جاهدة لتحقيق الحياد الكربونى من خلال استثمارات كبيرة فى الطاقة المتجددة والهيدروجين، وتتعاون مع شركات عالمية مثل شركة مصدر الإماراتية لتنفيذ مشاريع طموحة، مثل إنشاء محطات طاقة شمسية وطاقة الرياح، وبناء بنية تحتية لنقل الهيدروجين. هذه الجهود تهدف إلى تقليل الاعتماد على الوقود الأحفورى وتصدير الطاقة النظيفة إلى أوروبا؛ ما يعزز مكانة أذربيجان كشريك موثوق به فى مجال الطاقة المستدامة.
حققت أذربيجان إنجازات ملحوظة فى مجال تحقيق أهداف التنمية المستدامة منذ عام 2015؛ حيث أصبحت رائدة فى إعداد التقارير الوطنية الطوعية التى تتتبع التقدم المحرز فى تنفيذ هذه الأهداف. كما أطلقت البلاد حوارًا وطنيًا مفتوحًا حول أهداف التنمية المستدامة لتعزيز التعاون والعمل المشترك لتحقيق هذه الأهداف. وفى إطار استراتيجيتها الوطنية للتنمية المستدامة حتى عام 2030، تعقد أذربيجان حوارات منتظمة حول أهداف التنمية المستدامة، تهدف هذه الحوارات إلى حشد الدعم والتعاون من جميع الأطراف المعنية، وتنفيذ مبادرات مبتكرة تسهم فى تحقيق أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر.
يتمحور كل حوار حول أهداف التنمية المستدامة حول مشكلة معينة، والتى يتم توسيعها بعد ذلك إلى نهج مفاهيمى، وملاحظة تحليلية تتضمن تحليلًا موجزًا للبيانات ومناسبات للممارسات الدولية المتقدمة، وقسمًا يحتوى على توصيات سياسية مفيدة، وملاحظة تحليلية مع بعض أمثلة تحليل البيانات.
يهدف كل محور من محاور وأهداف التنمية المستدامة إلى تحليل مشكلة معينة بشكل عميق، واقتراح حلول عملية قابلة للتطبيق. ويتم ذلك من خلال دراسة البيانات المتاحة، وتقييم الممارسات الدولية الناجحة، وتقديم توصيات سياسية مدعومة بأمثلة تحليلية.
• • •
خلاصة القول، تُمثل استضافة أذربيجان لمؤتمر الأطراف فى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ لحظة فارقة فى تاريخ المنطقة والعالم أجمع. ومن المتوقع أن يسهم مؤتمر COP29 فى تحقيق العديد من الإنجازات، من بينها: سيوفر المؤتمر منصة مثالية للدول لتبادل الخبرات والمعارف وتطوير شراكات جديدة فى مجال العمل المناخى، من المتوقع أن يشهد المؤتمر إطلاق مبادرات جديدة واعدة لتعزيز الاستثمار فى مشاريع الطاقة المتجددة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفورى، سيسلط المؤتمر الضوء على أهمية دمج اعتبارات تغير المناخ فى خطط التنمية الوطنية وتعزيز المرونة فى مواجهة الآثار السلبية لتغير المناخ، سيوفر المؤتمر فرصة للمجتمعات المحلية للتعبير عن مخاوفها واقتراح حلول مبتكرة للتحديات التى تواجهها.
وفى الأخير، إن نجاح مؤتمر COP29 يتطلب تضافر جهود جميع الأطراف المعنية، بما فى ذلك الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدنى. يجب على الدول المشاركة أن تأتى إلى المؤتمر عازمة على تحقيق تقدم ملموس فى تنفيذ اتفاق باريس للمناخ، وتعزيز التمويل المناخى للدول النامية، ودعم بناء القدرة على التكيف مع آثار التغيرات المناخية.
النص الأصلى:
https://bitly.cx/7L00aq