لا يتمتع الكاتب المسرحى الفرنسى موليير لدى السينمائيين المصريين بنفس المكانة التى يتمتع بها قرينه المسرحى بومارشيه، فمن عمل مسرحى واحد هو «لعبة الحب والزواج» ظلت السينما تنهل الكثير من الأفلام، أما موليير، فرغم تنوعه وأهميته فان السينما لم تأخذ منه سوى عملين لا أكثر، منها مسرحية «مدرسة الزوجات» التى تم انتاجها مرتين باسم «كيد النساء» 1950، و«قصة ممنوعة» بعد أحد عشر عاما، ولعل الكثيرين من المشاهدين المعاصرين لا يعرفون أن مسرحية موليير الشهيرة باسم «البخيل» تحولت إلى فيلم باسم «القرش الأبيض» اخراج ابراهيم عمارة كتبه أبوالسعود الابيارى 1945 دون الاشارة إلى موليير، هذه المسرحية عرضت مسرحيا العديد من المرات، والغريب أن السينما لم تقتبس مسرحية «طرطوف» المعروفة لدينا باسم «الشيخ متلوف»، وإن كان هناك فيلم غير كوميدى باسم «المبروك» لكنه فى الاغلب مجرد اقتباس عن بعد.
فيلم «القرش الأبيض» من بطولة ليلى فوزى، وفوزى الجزايرلى، مع مجموعة كبيرة من نجوم ونجمات منتصف الأربعينيات، ومنهم الراقصة حورية محمد، ومحمود اسماعيل، وعباس فارس، واسماعيل يس، وثريا حلمى، وهو يدور حول شخصية الأب البخيل بحبح الذى يريد الاستفادة من جمال ابنته، وأن يزوجها لشاب غنى يزيد من رصيده الماى، هذا الأب يدخر أمواله للاستفادة بها قدر المستطاع، فهو يسعى ان يزوج ابنته أنصاف إلى رجل عجوز غنى، وأن يتزوج هو من الفتاة التى يحبها ابنه الوحيد، ويقوم بتوفير مصاريف الاقتران، والموضوع انسانى للغاية، ويصلح لكل زمان ومكان، وقد وجد هوى لدى سينما الاربعينيات التى كانت تتعامل بحساسية شديدة مع الفارق بين الفقراء والأغنياء، ومثلما كانت مسرحيات بومارشية، فان مسرحية «البخيل» تجعل الأغنياء أيضا يقعون فى حب بعضهم البعض، وأن الخدم والفقراء يفعلون الشىء نفسه من أجل انتظام حركة التطور فى المجتمع، فلدينا الشاب وجدى تتهافت عليه النساء خاصة بنات الهوى والراقصات، يعشقن ثروته، ويتعفف عنهن، وبالتالى فهو يبحث عن الارتباط بمن يحببنه بعيدا عن ثروته الكبيرة، أما الفتاة أنصاف التى تقف طويلا عند محطة الاتوبيس فهى ليست فقيرة، وإنما أبوها بحبح يكتنز داخل الحاشية الكثير من الأوراق المالية، ولا يشترى سيارة لابنته الحسناء أنصاف، وعندما تصدمها سيارة الشاب الثرى وجدى، فإنه يبلغها أنه مجرد سائق للسيارة التى يركبها، وأن أحواله المالية لا تسر عدوا ولا حبيبا، وتبدو ليلى فوزى هناك بالغة الخفة، والجمال، مقابل ثقل ملحوظ لأداء لم يتطور أبدا من جانب الممثل محمود اسماعيل الذى يوافق أن يعمل سائقا خصوصيا للبخيل بحبح، بل ويصرف على شراء البنزين، حتى يكون على مقربة من حبيبته، التى تعرف بثرائه بعد الوقوع فى الحب.
الغريب فى مسيرة محمود اسماعيل أنه صار مؤلفا كبيرا فى الاذاعة والسينما، وكان منتجا، ومخرجا، وقد نشر بعض أعماله فى كتب بعد نجاحها، وهو يخص لنفسه أدوارا ثقيلة الظل كى يجسدها كأنه أكثر الناس معرفة بقدراته مثلما حدث فى شخصية المهرب فى «سمارة» المسلسل، والفيلم، وأيضا فى افلام أخرى كتبها ومثلها، منها شخصية اللص فى فيلم «طاهرة»، وشخصية «فجلة» فى مسلسل وفيلم «توحة»، وأيضا شخصية المعلم فى فيلم «بنت الحتة» وقد كانت لديه ذائقة حادة فى معرفة ذوق جمهور الترسو وهو يقدم الشخصية نفسها فى أفلام عديدة منها «عفريت سمارة»، و«بائعة الورد» و«زنوبة»، وفى فيلم «القرش الأبيض» كانت البدايات فى البطولة لنفس الأدوار التى تكررت فى «حسن وحسن»، و«طاقية الاخفا»، و«الأحدب» ورغم أنه لم يكن الواد ساحر النساء، فإنه هنا سحر اجمل نساء عصره التى جسدتها كل من حورية محمد وليلى فوزى.
الغريب أن محمود اسماعيل ظل أسيرا للشخصية نفسها حتى صار رجلا عجوزا مثلما حدث فى فيلم «الدرب الأحمر» عام 1986. كأنما الزمن لم يغيره، وهو الذى اختفى تماما عن الانظار بعد دوره البارز فى فيلم «بنت الحتة» وقيل إنه دخل السجن فى قضية غير ماسة بالأخلاق.
رغم أن البطولة المطلقة كانت لمحمود اسماعيل، فإن اسماعيل يس الذى جسد شخصية ابن البخيل كان هنا فى أحسن أحواله على الاطلاق، ويمكن أن نراه هنا ممثلا جيدا يغنى ويرقص ويمثل، ما يثير الدهشة أنه ظل لسنوات طويلة يؤدى الأدوار الثانية التى لم ينقذه منها سوى حلمى رفلة، ورغم الشأن الذى صار اليه الممثل فى حياته، وأنه لم يتكرر، فلا نعرف كيف ستكون المسيرة لو أن المخرجين الآخرين تعاملوا معه مثما فعل إبراهيم عمارة الذى لم يحتسب أبدا على السينما الكوميدية.
التجربة التى نتعلمها من الفيلم أن أكثر النساء قصرا فى العمر فى الظهور على الشاشة هن الراقصات، مثل حورية محمد التى كانت البطلة المطلقة فى العام نفسه فى «شارع محمد على»، وفى فيلم «القرش الأبيض» صارت هى الشخصية الرئيسية عندما قررت المشاركة فى تلقين البخيل درسا وأن تفقده ثروته التى يحرص عليها، فى تلك الآونة لم تكف عن الرقص، بما يكشف أنها كانت من أبرز نجمات عصرها، فالراقصة عليها ملاحقة الزمن كى تعمل كثيرا قبل أن تفقد حيويتها، خاصة إذا كانت قد دخلت السينما فقط من باب الرقص، ومن أشهر راقصات تلك الفترة أيضا نبوية مصطفى، وهاجر حمدى وببا عزالدين، اللاتى اختفين ما ان بدأ عقد الخمسينيات تماما عن الانظار.