عرض رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس فى سياق مقابلة أدلى بها أخيرا إلى صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية تصوّره حول اتفاق سلام مع إسرائيل. ولا شك فى أن مواقفه إزاء الترتيبات الأمنية والمستوطنات معروفة ومتوقعة بل ويمكن القول أيضا إنها تصالحية إلى حدّ ما.
مع ذلك، ثمة أمر واحد يرفضه عباس رفضا باتا هو الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية. وإزاء هذا لابد من طرح عدة أسئلة فى مقدمتها: لماذا يتخذ الجانب الفلسطينى موقفا سلبيا للغاية من مسألة هذا الاعتراف؟ ولماذا يعتبر هذا الاعتراف مهما جدا بالنسبة إلى إسرائيل؟
كى نفهم الروح العامة الفلسطينية يتعيّن علينا أن نعود إلى الوراء، لا إلى سنة 1948 بل إلى سنة 1917 وسنة 1937. ففى سنة 1917 صدر وعد بلفور الذى أيد إقامة وطن قومى لليهود فى أرض إسرائيل. وكان التطرق إلى عرب إسرائيل «العرب فى فلسطين» فى ذلك الوعد مُهينا حيث تمت تسميتهم «غير اليهود» ولم يجر الاعتراف بقوميتهم قطّ. وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وصولا إلى أربعينيات القرن العشرين الفائت، حظى جميع العرب فى منطقة الشرق الأوسط بدول قومية خاصة بهم وفقط عرب إسرائيل «العرب فى فلسطين» لم يحظوا بذلك، وحينما عرضوا عليهم دولة وفقا لخطة بيل فى سنة 1937 فوجئوا بأن عليهم أن يتقاسموا أرضهم مع الآخرين «اليهود» الذين لم يكونوا فى نظرهم شعبا قطّ ولكن كانوا فى الحدّ الأقصى أبناء ديانة دونية. فضلا على ذلك، كان الحديث فى نظر هؤلاء العرب يدور حول أناس من دون انتماء وصلوا للتوّ من أوروبا، وعُرضت عليهم مساحة أكبر كثيرا مما يستحقون مقارنة بعددهم.
إن شعور الفلسطينيين بأنهم ضحايا بدأ إذن فى سنة 1917، وتحوّل هذا الشعور إلى غضب عارم فى ثلاثينيات القرن الفائت. وليس من المبالغة القول إن الروح العامة الفلسطينية لم تقبل ولن تقبل الفرضية القائلة إن اليهود شعب وقومية، وإن إسرائيل تمتلك الحق فى الوجود كدولة يهودية. ويعتبر المطلب الإسرائيلى أن يوافق الفلسطينيون على أن يشكل اتفاق السلام فى الوقت الحالى نهاية النزاع والمطالب والتخلى عن حق العودة «للاجئين» بمثابة خيانة لإرث قائم منذ نحو مائة عام.
لماذا أصبحت مسألة الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية مهمة للغاية بالنسبة إلينا؟ ثمة خمسة أسباب هى: أولا، أن الاعتراف الفلسطينى بإسرائيل دولة يهودية سيجعل من الصعب الدفع قدما بأفكار تحويلها إلى «دولة جميع مواطنيها» أو الأسوأ من ذلك تحويلها إلى دولة لشعبين؛ ثانيا، سيخدم هذا الاعتراف إسرائيل فى الكفاح الذى سيندلع فى الساحة الدولية بينها وبين مئات آلاف الفلسطينيين الذين سيأتون إلى دولة فلسطين من سوريا والأردن ولبنان بدافع الرغبة فى تحقيق حقهم فى العودة إلى «البيت الحقيقى» فى حيفا وتل أبيب؛ ثالثا، سيجعل من الصعب على العرب فى إسرائيل أن يطلبوا حقوقا قومية متساوية؛ رابعا، سيضع صعوبات أمام جهات أوروبية تحاول أن تدفع قدما بحقوق الأقليات فى داخل إسرائيل مثل البدو فى النقب مثلا من خلال مس هوية الدولة اليهودية. خامسا، إن الاعتراف بأن إسرائيل دولة يهودية سيُسهل مطلب عدم السماح للعرب فى إسرائيل بحمل جواز سفر مزدوج إسرائيلى وفلسطينى وإسقاط أى ادعاء للدولة الفلسطينية يتعلق بمكانة عرب إسرائيل.
إن هذه الأمور كلها مهمة لأنه من الصعب علينا أن نؤمن بأن اتفاق سلام نهائى حتى فى حال التوصل إليه وتنفيذه، من شأنه أن يغيّر الروح العامة الفلسطينية التى ترى أنه يجوز لليهود أن يسكنوا فى أرض إسرائيل، لكن لا
يجوز لهم أن يسكنوا فى دولة قومية خاصة بهم.
إن الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية موضوع جوهرى لا يقل شأنا عن الموضوعات الجوهرية الأخرى للنزاع مثل الأمن أو الحدود لكونه يحدّد نقطة الانطلاق الإسرائيلية نحو الصراعات التى من المتوقع أن تكون فى انتظارنا حتى بعد التوصل إلى اتفاق نهائى.
ووفقا لمبادرة السلام العربية، من المفترض أن يؤدى اتفاق سلام إسرائيلى ــ فلسطينى وأيضا اتفاق سلام مع سوريا، إلى تسليم العالم العربى بوجود إسرائيل، ومن المهم أن يشمل هذا التسليم أيضا اعترافا بحقنا فى الوجود كدولة يهودية لا اعترافا واقعيا فقط بوجود دولة تسمى إسرائيل.
غيورا آيلاند - لواء احتياط والرئيس السابق لشعبة
الاستخبارات العسكرية «أمان» ولمجلس الأمن القومى
«يديعوت أحرونوت»
نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية