معركة حامية الوطيس بين الكنيسة والقضاء.. والدولة تتفرج.. موقعة أخرى أعنف بين المحامين من جانب والقضاء والنيابة العامة من جانب آخر.. والدولة أيضا فى مقاعد المتفرجين.. عركة صغيرة أخرى على مقاعد مجلس الشورى تلقى الدولة فيها بكل ثقلها.. ماذا يحدث فى مصر؟
أظن أننا ندفع الآن فاتورة الدولة الرخوة فى مصر، وكأننا أمام «حرب الكل ضد الكل» كما كان يصف الفيلسوف الإنجليزى توماس هوبز الحياة فى القرن السادس عشر، وهى الفكرة التى انطلق منها فيما بعد فلاسفة آخرون لضرورة اختراع الدولة المدنية للخروج من حالة «الطبيعة» حيث لا قانون ولا نظام.
كان هوبز يؤسس فى فلسفته للدولة «التنين» التى تردع جموح رغبات الأفراد وتنظم حياتهم فى إطار عقد اجتماعى صارم، وهى الفكرة التى عمقها فلاسفة آخرون جاءوا من بعده حتى استطاع المجتمع البشرى الخروج من حالة الإنهاك والاقتتال الفردى، ويعيش حالة إنسانية حضارية بدلا من العيش وفق قوانين الغابة.
انظر حولك الآن.. ستجد مصر أشبه بساحة صراع بامتداد خارطتها، أفراد ضد أفراد، وهيئات بكاملها تحارب هيئات أخرى، كنيسة ضد الدولة، ودولة ضد الإخوان، وإخوان ضد الدولة، ودولة تحارب نفسها أحيانا، وأفراد يحكمون الشارع بقانونهم الخاص، وأفراد مدججون بالثروة يختطفون التشريع والأحزاب.
وفى المجمل تبدو مصر وكأنها تأكل نفسها وتحرق مساحات الخضرة فيها، وتطارد الهواء فى الجو، وتصادر المطر من السحاب، وتعلق المشانق للورود فى الحدائق، وتفرض ضرائب على الأحلام.
ومن يتابع القصف المتبادل بالتصريحات النارية بين رجال الكنيسة والقضاء، وبين المحامين والقضاة على مدار الأيام الماضية لابد أنه سيتخيل أن هؤلاء وأولئك جماعات من البشر لا يزالون فى طور تحسس الطرق المؤدية إلى فكرة الدولة المحكومة بعقد اجتماعى وقوانين ودستور ينظم حياتها، حيث نبدو مع كل أزمة وكأننا نبدأ من نقطة الصفر، لا نبرح أبدا منطقة اختراع العجلة، ومن ثم فإن حركتنا دائما فى المكان وإن انتقلنا فإننا نرجع إلى الخلف غالبا.
وطالما نحن مصرون على البقاء فى هذه الحالة فمن الطبيعى للغاية أن نظل عجزة عن التقدم خطوة واحدة إلى الأمام، وسنبقى دوما فى حالة رد الفعل المرتعش على ما يصيبنا من إهانات وصفعات خارجية، وسنبقى مكتوفى الأيدى أمام انفراد العدو الإسرائيلى بإعادة رسم خارطة المنطقة، سوف تصفعنا إسرائيل فنسارع إلى ممارسة السباب ضد تركيا وإيران.. وحماس وحزب الله.
ولأن ذلك كذلك فلا نملك إلا انتظار «توماس هوبز» مصرى، يضع لنا عقدا اجتماعيا ينقلنا به إلى حالة «الدولة» ويحكمنا باعتبارنا بشرا ولسنا قطعانا سائبة فى الغابة.
wquandil@shorouknews.com