طبقا لما يشهده الاتحاد الأوروبي من انقسام في صفوف أعضائه بين مؤيد ومعارض تجاه قبول عضوية أوكرانيا، تناولت بعض الصحف والمراكز مخاوف بعض الدول الأعضاء، خصوصا ألمانيا، حيال القبول السريع لتلك العضوية، وبخاصة في ظل الظروف المحيطة بأوكرانيا والعالم... نعرض منهم ما يلي.
نقلا عن صحيفة الديلي تليجراف، أوضح الكاتب جو بارنز أن ترشح أوكرانيا لعضوية الاتحاد الأوروبي لن يمر مرور الكرام، وقد أثارت تلك العضوية المعلقة مخاوف ألمانيا حيال تغيير ميزان القوى بعيدا عن برلين، لذلك دعت ألمانيا بشكل خاص إلى إصلاح المعاهدات الحاكمة للاتحاد الأوروبي. حيث أثار أولاف شولتس، المستشار الألماني، القضية في اجتماع عقد مؤخرًا مع نظرائه في الاتحاد الأوروبي في بروكسل، داعيا إلى إجراء تغييرات علي المعاهدات قبل السماح لكييف بالانضمام رسميًا.
وتابع الكاتب مقاله موضحا أنه إذا أصبحت أوكرانيا عضوًا في الاتحاد، فستكون خامس أكبر دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، ولكنها أيضًا أفقر دولة فيها، وفقًا لتحليل أجراه المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية.
فبالرغم من الاحتفال بحصول أوكرانيا علي صفة الدولة المرشحة للعضوية، لاحت في الأفق بعض المخاوف لدي عدد من الدول الأعضاء مثل ألمانيا وفرنسا والبرتغال.
لنبدأ بألمانيا، تنبعث المخاوف لدي ألمانيا من نظام التصويت في الاتحاد الأوروبي. وللتوضيح، يأخذ نظام التصويت الساري في الاتحاد يأخذ بعين الاعتبار عدد الدول المصوتة وسكانها، وبالتالي سيكون لدي كييف 9 % من الأصوات في مجلس الاتحاد. وإذا وحدت أوكرانيا قوتها مع بولندا فستتخطي بالتأكيد سلطة ألمانيا التي تعتبر أكبر وأغني دولة في الاتحاد. من ناحية أخري، هذا سيجعل تحالفات الدول الأوروبية الشمالية والوسطي أقوي من التحالف الألماني الفرنسي بأريحية مما يشكل تهديدا علي نظام توازن القوى.
لذلك يريد شولتس إعادة تشكيل نظام تصويت جديد لضمان عدم إمكانية تشكيل دول الاتحاد الأوروبي كتل نفوذ تزيد من سلطة البعض علي حساب البعض الآخر من أجل تأمين تمويل إضافي من حلفائها الغربيين الأغنياء. ويريد المستشار الألماني، الذي تعرض لانتقادات متكررة بسبب تردده في دعم أوكرانيا، إلغاء حق النقض الوطني.
وشارك إيمانويل ماكرون، الرئيس الفرنسي ألمانيا نفس المخاوف؛ حيث صرح من قبل عن ضرورة تغيير نظام التصويت في الاتحاد لوقف التهديد الموجه من صغار الدول الأعضاء تجاه طموحات بلاده.
وعبرت أيضا البرتغال عن قلقها حيال هذا الأمر، وبخاصة من الناحية الاقتصادية، ففي الواقع، سيكون الاقتصاد الأوكراني هو الأسوأ داخل الاتحاد الأوروبي إذا انضمت أوكرانيا. وهذا من شأنه أن يجبر البرتغال، لأول مرة، على أن تصبح مساهماً بشكل صافٍ في ميزانية الكتلة، مما يعني أنها ستدفع أكثر مما تتلقي من تمويل الاتحاد الأوروبي، وستتعرض الجمهورية التشيكية لنفس المصير.
ولكن فيما يخص الجانب الأوكراني، فقد أنكر تلك المخاوف المتعلقة بنظام توازن القوي. ففي الأسابيع التي سبقت قرار الاتحاد الأوروبي بالترحيب بأوكرانيا كمرشح، قضت كييف مئات الساعات في المحادثات الدبلوماسية لطمأنة الدول الأعضاء في الكتلة بأنها لن تسيء استخدام سلطاتها.
ومن جانب مؤسسة المجلس الأطلسي البحثية، شارك خبراؤها في تأكيد تلك المخاوف أكثر. لنبدأ في تناول أسباب مخاوف فرنسا حيال عضوية أوكرانيا. حيث أظهر كاتبو المقال حسن نية فرنسا، التي لا تريد خداع أوكرانيا بوعود لن تنفذ، كما أن هناك رغبة ملحة في أوكرانيا للانضمام السريع للاتحاد، وهذه الرغبة ستصطدم بالواقع الأليم؛ لأن الطريق إلي العضوية سيستغرق سنين بالتأكيد.
ثانيًا، تدرك فرنسا جيدا، إلى جانب العديد من الدول الأوروبية الأخرى، أن هذه العملية هي بالفعل عملية صعبة وطويلة، ولا توجد نية لدي باريس لتسريعها. وخير مثال علي ذلك أن دول غرب البلقان الستة تمر أيضًا بمراحل مختلفة من الترشح للحصول علي العضوية، وأنه لا تزال هناك حاجة لأوكرانيا لتنفيذ إصلاحات صارمة وضرورية، وأن الاتحاد الأوروبي نفسه يفتقر إلى القدرة على استيعاب عضو جديد دون إصلاح داخلي خاص به.
وأضافت فرنسا أن اقتراح إنشاء مجتمع سياسي أوروبي له فوائد ملموسة من خلال تعاون أوثق مع أعضاء الاتحاد. ويمكن أن يشمل ذلك زيادة التنسيق السياسي مع الاتحاد الأوروبي و/أو تعميق الروابط الاقتصادية، مما يسهل إكمال أهداف عملية الانضمام بالتوازي مع هياكل الاتحاد الأوروبي القائمة. لذلك، من المفترض أن يكون هذا المجتمع مكملاً، وليس بديلاً، لعضوية الاتحاد الأوروبي.
في هذا الصدد، حاولت الحكومة الألمانية خلال الأسابيع والأشهر الأولى من الحرب الروسية ضد أوكرانيا إدارة التوقعات الأوكرانية المتأملة في الحصول علي العضوية بما يوحي باستحالة تسريع عملية الانضمام. ولذلك، بدا صانعو السياسة الألمان، مثل العديد من زملائهم في الاتحاد الأوروبي، مترددين في معالجة الأمر وجهاً لوجه.
أضاف داليبور روهاك من المعهد الأمريكي لأبحاث السياسة العامة مزيدا من التوضيح للجوانب الخفية وراء فكرة إنشاء مجتمع سياسي أوروبي. حيث يرجح الكاتب أن اقتراح ماكرون الذي ألقاه أمام البرلمان الأوروبي ما هو إلا حيلة ساخرة للتهرب من العضوية الكاملة لأوكرانيا في الاتحاد. لذلك، أسهب الكاتب في الحديث للوصول لتحليل أكثر وضوحا لتلك الفكرة، حيث اعتمد علي عرض مقارنة لموقف كل من بولندا من جانب، وألمانيا وفرنسا من جانب آخر وذلك منذ بداية الحرب. فقد مالت بولندا لعمل زيارات عديدة لأوكرانيا، في حين اكتفت كل من فرنسا وألمانيا بإجراء محادثات هاتفية مع بوتين بدلا من زيارة أوكرانيا، بالإضافة إلى المساعدات العسكرية التي لا تليق بكلا الدولتين. وبالمثل، فإن التحالف الفرنسي الألماني يتباطأ في اتخاذ قرار بخصوص عضوية أوكرانيا النهائية في الاتحاد الأوروبي. لكن البرلمان الأوروبي كان متفائلا بشأن انضمام أوكرانيا، حيث قدمت قمة الاتحاد الأوروبي في فرساي لغة غير ملزمة حول "تقوية روابطنا وتعميق شراكتنا لدعم أوكرانيا في متابعة مسارها الأوروبي"، مع عدم ذكر خطوات قابلة للتنفيذ أو مواعيد نهائية. هذا النهج يذكرنا بالحل الوسط الفاتر الذي تم تبنيه في قمة بوخارست لحلف الناتو في عام 2008، يعرض كل من المواطنين الأوكرانيين والنخب السياسية لخيبة أمل شديدة بمجرد انتهاء الحرب. مما يعني قد لا تحصل أوكرانيا علي العضوية الكاملة بمجرد انتهاء حربها مع روسيا. ولكن الكاتب انتقد ربط التردد الفرنسي الألماني لحصول أوكرانيا علي العضوية بتفوق سلطتها علي سلطة كل من ألمانيا وفرنسا. حيث يرتبط نفوذ كل من ألمانيا وفرنسا بنفوذهم الاقتصادية ودورهما كأكبر مساهم في الاتحاد الأوروبي. ولكنه يرجح أن السبب الحقيقي يكمن في المقاومة ضد توسيع وتعميق الاتحاد الأوروبي لضم دول أوروبية شرقية أكثر. حيث يعتبران أوروبا الشرقية ما هي إلا مصدر للمتاعب والاستنزاف المالي للاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، إذا لم يتم تغيير المعايير الأساسية للتفكير الاستراتيجي في برلين وباريس بشكل جذري بسبب الحرب المستمرة في أوكرانيا، فلا ينبغي أن نربط حياتنا على افتراض ألمانيا أو فرنسا. وبغض النظر عن الكلام المعسول لكلا الدولتين، تشير الكثير من الأدلة إلى أنه لم يحدث تغيير عميق حتى الآن: من المرجح أن تدفع القوتان المركزيتان في الاتحاد الأوروبي أوكرانيا إلى «تسوية» شبيهة بمينسك تضحي بسيادتها، من أجل منع التوسعات المستقبلية للاتحاد الأوروبي إلى الشرق، والسعي في نهاية المطاف إلى تطبيع العلاقات مع روسيا. ويختتم الكاتب حديثه، بتوضيح ارتباط توسعات الاتحاد الأوروبي بالموافقة الجماعية للدول الأعضاء، وبناء عليه لن تنضم أوكرانيا للاتحاد إلا إذا رغبت الحكومتان الألمانية والفرنسية صراحة في ذلك، وهو ما قد يعني عدم وجود عضوية على الإطلاق.
خلاصة القول، تعددت التبريرات والتحليلات للمخاوف الألمانية والفرنسية حيال انضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبي. ولكن ما يثير التساؤل هنا هو هل ستظل آمال زيلينسكي في دخول الاتحاد الأوروبي عائمة في بحر بلا شطئان في ظل التردد الفرنسي الألماني.
إعداد: وفاء هاني عمر