أسئلة الإخوان الغائبة.. والواجبة - أيمن الصياد - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 1:59 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أسئلة الإخوان الغائبة.. والواجبة

نشر فى : الأحد 11 أغسطس 2013 - 9:20 ص | آخر تحديث : الأحد 11 أغسطس 2013 - 6:17 م

«ثماني أسئلة.. وإجابات»، تحت هذا العنوان. كتبت في هذا المكان (الشروق: ٣ فبراير ٢٠١٣)، محاولا «الاجتهاد» في إجابة ثماني أسئلة، حسبت أنها «أسئلة اللحظة» وقتها. وكان من الطبيعي، وبحكم طبائع الأمور، وما علمناه بعد ذلك من طبائع البشر أن يكون هناك من آثر يومها «في دوائر الحكم» وخارجها، أن يتجاهل الأسئلة، إنكارا للإجابات، أو بالأحرى لكون الإجابات قد تهز بعض قناعاته «المتساندة كأحجار الدومينو». ولذا فقد إخترت أن أكتفي اليوم بأسئلة بلا إجابات. وأظن أنها هذه المرة أيضا «أسئلة اللحظة»؛ لحظةٌ مضطربةٌ لا تريد أن تفارقنا. لأننا ببساطة أقل شجاعة من أن نفارقها.

عزَمت .. وتوكلت على الله، وحسب ما تقول الحكمة الانجليزية الشهيرة، «وضعت قدمي في حذاء» أحد الذين استقر بهم المقام في «رابعة»، قلقا على المستقبل، أو الأمن الشخصي، أو استجابة لشعارات تقول «أنها الثورة»، أو دفاعا عن «الشرعية» دون تدقيق في تعريف، أو إيمانا بأنه «الجهاد ضد أعداء الدين»، أو تصديقًا «وتسليمًا» لأولئك الذين يقولون لنا على المنصة كل يوم أن مرسي سيعود في المساء، أو صباح اليوم التالي، أو «ليصلي معنا العصر» كما قال أحد «الزاعقين»٠

وإذا كان الله يأمرنا أن «نتبين» قبل أن نتخذ القرار. وإذا كان القرار «تعريفًا» هو اختيار بين بدائل. وإذا كانت المعرفة، التي هي لازمة لاختيار سليم تبدأ بالأسئلة ﴿ ... قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ البقرة ٢٦٠، فاسمحوا لي أن أضع نفسي مكان الإخوان، أو الذين أتوا بهم الى «رابعة»، وأطرح الأسئلة؛ ثمانية أيضا هذه المرة .. وأترك لهم الإجابات.

•••

١- السؤال المكرر والمزمن، ولكنه الافتتاحي، بحكم طبيعته: طالما أننا الأكثر شعبية، ولدينا «الملايين في الميادين» (فضلا عن خمسة آلاف جريح في «المستشفى الميداني» !!)، ألم يكن بيد «الرئيس»، والذين يستمع اليهم، أن يجنبوا «الجماعة» والوطن.. ودينهم كل هذه الدماء، لو أنصتوا لنصيحة رفيقهم في مكتب الإرشاد لمدة ٢٢ سنة «عبد المنعم أبو الفتوح»، والذي تربطهم به أواصر قربى، وذكريات زنارين، حين كان أول من دعا (يناير ٢٠١٣) السلطة المنتخبة «العاجزة عن آداء واجبها» حسب تعبيره الى انتخابات مبكرة؟ أو على الأقل الى استفتاء كان يمكن أن يكون قرار «حكمة اللحظة الأخيرة».

٢- مع الإقرار الكامل بأن هناك من هم موجودون في الشارع الآن، وبينهم إخوة وأصدقاء، ولهم كامل احترامهم «طالما احترموا الآخرين»، يبقى السؤال: مَن أولئك الذين نزلوا الى الشوارع في الثلاثين من يونيو والثالث من يوليو؟ هل نصدق حقًا ما يردده البعض، أو يتداولونه على مواقع التواصل الاجتماعي من أنهم ليسوا أكثر من ضباط أمن الدولة وعائلاتهم وجنود الأمن المركزي بزي مدني الى جانب المسيحيين «المواطنين بالمناسبة» فضلا عن بعض المخدوعين؟ وهل يعلم من يحاول تزييف وعينا بهذا القول، أن الشهادة لله؟


٣- هل سيكون داخل الجماعة من هم بشجاعة الأمريكيين حين قرروا بعد الحادي عشر من سبتمبر أن يسألوا أنفسهم «لماذا يكرهوننا؟» أم أن هناك من لم يلحظ بعد كيف تبدلت مشاعر كثير من الناس تجاه الجماعة وشعاراتها والمحسوبين عليها؟ وبالمناسبة، ماذا سيكون عمليًا أثر قطع الطريق، الذي وصفه مرسي في خطب علنية بأنه «جريمة»، كما كان قد قال أيضا بعض من نستمع اليهم الآن على المنصة أنه من قبيل «الحرابة».


٤- ماهو الفارق «الجوهري» بين ما جرى في ٢٥ يناير، الذي أتى بالمجلس العسكري «وحده» الى الحكم، لمدة عام ونصف، وبين ما جرى في ثلاثين يونيو، الذي أعلن عشيته عن «خارطة طريق الى صناديق الاقتراع» واضحة محددة، لا تستثني أحدًا أو تقصيه، ولا يربكها حاليا غير ذلك الذي يجري في الشوارع والميادين.


٥- الى أي مدى ندرك حقيقة أن كثيرا من الذين لديهم حساسية مع تجربة المجلس العسكري (١١ فبراير ٢٠١١ − ٣٠ يونيو ٢٠١٣) أو يقلقهم وجود شخصيات «مباركية» في المشهد، أو أزعجهم مصطلح «الإنقلاب»، أو لا يطيقون «اسفاف عكاشة» أو تلك المكارثية الإعلامية.. هم أيضًا لا يريدون العودة الى حكم الإخوان؛ الذي يرونه (وأنا هنا ناقل لما يتردد في المنتديات، وفي البيوت، وعلى المقاهي، ومواقع التواصل الاجتماعي) حاول أن يعيد انتاج النظام القديم «ولكن لصالحه»، أو حاول أن يأخذهم بعيدا عن «ثقافتهم المتوارثة» أو أو «تآكلت مصداقيته، مغطيا فشل السياسات بحديث المؤامرات» كما كتب سيف عبد الفتاح (الشروق ٢ فبراير ٢٠١٣)، بعد أن «سولت له نفسه الاستئثار والاستكفاء والاستغناء والاستعلاء والاستقواء» .. والتعبير الذي اشتهر كان أيضا للدكتور سيف (الشروق ٢٧ أكتوبر ٢٠١٢)


٦- إذا كانت «هي معركةٌ» كما تقول المنصة، وكما اختار البعض «بعنادهم» أن تكون «صفرية»، فمن هم أطرافها؟ وإذا كان الطرفان هما  جماعة الإخوان المطالبة بعودة مرسي، وقوات الجيش صاحب خارطة الطريق المؤدية الى الانتخابات. فمن الأقوى واقعيا بمقاييس المعارك؟ ولمن «النصر»؟ وهل هناك من يقبل استخدام تعبير «معركة»، حين يكون الطرف الآخر جيش البلاد؟ وإذا كان الانتصار في المعارك يعني تعريفًا إجلاء العدو، أو القضاء عليه، أو قهره، فكيف يتأتى مثل ذلك في مثل هذه معركة؟ وبماذا نصف من يسمح لنفسه أصلا أن يسعى «لهزيمة جيش بلاده»؟


٧- بعد تصريحات جون كيري نائب الرئيس الأمريكي؛ الواضحة والصريحة بأن «االجيش لم يستول على السلطة، وإنما اضطر للتدخل لاستعادة الديموقراطية»، هل ما زال هناك، بين الحريصين على رفع اللافتات بالانجليزية من يراهن على التدخل الأجنبي، وعلى «البوارج الأمريكية» التي هلل المحتشدون في رابعة تكبيرا لإعلان المنصة اقترابها من السواحل المصرية؟! أم أن هناك من أسكرته تصريحات جون ماكين؛ عَرَّابُ الحرب على العراق فأخذته أحلامه بعيدًا؟


٨- ثم يبقى السؤال الختامي والأهم «أكرره»: ماذا لو عاد مرسي، الذي لا تقبل منصة رابعة بغير عودته؟ وهل يستطيع «واقعيًا» أن يحكم الآن، أو أن تحكم جماعته بعد أن وصل ما بينهم وبين كل مؤسسات الدولة إلى ما وصل اليه؟

ماذا سيفعل «واقعيًا»الرئيس العائد مع الشرطة التي احتفل رجالها مع المحتفلين بعزله؟ وماذا سيفعل مع الجيش الذي اتهمه بالخيانة والإنقلاب عليه؟ وماذا سيفعل مع القضاء الذي مافتئ يتهمهم بالمشاركة في المؤامرة؟ وهل هناك، في العالم «الحديث» كله دولة بلا مؤسسات (!)

يعتقد البعض، إجابة عن السؤال بأن بالإمكان إلغاء الشرطة النظامية، والاعتماد على اللجان الشعبية. ولا يسأل هؤلاء أنفسهم عن ماذا سيكون شكل اليوم التالي؟ أو ماذا سيكون رد الآلاف من رجال الشرطة «المسلحين» على قرار مثل هذا؟ لا يقرأ البعض كثيرًا. ولا يتذكرون ماذا فعل بول بريمر بالعراق. وكيف أن الأمريكيين أنفسهم اعتبروا أن بعض اجراءاته كان جريمة كبرى.

ويتهور البعض فيتحدث عن تجربة الخميني في إنشاء الحرس الثوري، كفصيل مواز لجيش الشاه. ولا تستحق الفكرة مجرد التعليق.

ثم يستعيد آخرون ما قالوه قبل أشهر عن «المجالس العرفية» التي تحكم بشرع الله، كبديل عن مؤسسة القضاء «الفاسدة»، والفكرة أيضا لا تستحق التعليق.

أتفهم مشاعر الصدمة «الكاشفة»، ولكنا، حين نتحدث عن «وطن» سيقلقنا بلا شك كثيرٌ جدًا مما اكتشفناه.

•••

أما وقد كان ما كان، فأحسب أننا إذا كنا صادقين مع الله ومع النفس في الإجابة على ما سبق من أسئلة «يهرب منها الذين أتوا بالوطن الى هنا»، فأظننا سنعرف ما هو الحل «الواقعي» للمأزق الذي أدخلونا فيه. قد نختلف في الإجابات، سواء على الأسئلة الثمانية، أو في طريق الخروج من النفق. ولكنني أحسب، أو «أتمنى» أننا نتفق على أن الحل لا بد وأن يتقيد باشتراطات ثلاث، ذكرتها هنا مع بداية الأزمة مرارا وتكرارا، ومازلت أراها أساسا «أتمنى» أننا جميعا نوليه ما يستحق من اعتبار:

• أن أمن مصر القومي ووحدة أراضيها فوق كل اعتبار. وأن «تماسك جيشها» وقوته هما الضمان الأول لأمن مصر وشعبها. وعلى الجميع مصريين «وأشقاء» أن يدرك حقيقة أن جيش مصر هو الجيش «العربي» الوحيد الباقي في المنطقة، بعد أن جرى ما جرى في العراق وليبيا وسورية.


• أن عثرات طريق سرنا فيه بعد الخامس والعشرين من يناير لا ينبغي أن تثنينا عن المضي قدما على طريق الديموقراطية الحقيقية لنبني دولة حديثة معاصرة «لجميع أبنائها بلا استثناء» تليق بمصر في عالم اليوم.


• أن الاشتراطات الخمسة المتعارف عليها للتحول الديموقراطي Transitional Justice والتي غابت «أو غُيبت» عن المرحلة الانتقالية الطويلة (عامان ونصف حتى الآن) ينبغي أن تعود لمكانها الطبيعي؛ فهما وإدراكا وسياسات، أملا في أن نلحق بما فاتنا، وحتى لا نبكي مرة أخرى على اللبن المسكوب (راجع «الشروق»: ٢٤ فبراير ٢٠١٣)

•••

وبعد ..

فهذه ثماني أسئلة، أحسبها، دون تزيد «أسئلة الأخوان الغائبة .. والواجبة». كان بعضها موضوعا لنقاش مع بعض قياداتهم من جيل الوسط، بعد أن فشل أحدهم في إقناع «أسرى هواجسهم القديمة» بالاستماع الى صوت العقل، فشكا لي قبل أيام كيف اضطره هؤلاء الى رفض دعوة «المسؤول الكبير جدا» لمشاركة الإخوان «رسميا» في كل الخطوات المقبلة لبناء دولة مدنية عصرية جديدة لا تسمح بعودة نظام مبارك. ولله وحده الأمر جميعًا. وهو وحده ﴿يَهْدِي السَّبِيلَ﴾٠

أيمن الصياد  كاتب صحفى
التعليقات