عايدة الأميرة الحبشية الأسيرة، جارية أمنيريس ابنة فرعون مصر، ومحبوبة راداميس قائد الجيوش المصرية، هل كان صاحب العبقرية الموسيقية الإيطالى جوزيبى فيردى (1813ــ 1901) يتخيل أن يأتى حين من الدهر وتجسد دورها على خشبة مسرح دار الأوبرا المصرية، اليابانية ميتشى ناكامارو؟!
وهل تخيل واضع قصة أوبرا عايدة عالم المصريات الفرنسى أوجست مارييت، أو كاتب النص أنطونيو جيسلا نزونى، أن يلعب دور قائد الجيوش المصرية الكورى جيمس لى؟!، أشك فى ذلك، غير أن دار الأوبرا المصرية، التى عرضت الأسبوع الماضى أربع حفلات لهذا العمل الأوبرالى الخالد، استطاعت أن تعطى «أوبرا عايدة»، نكهة وطعما آسيويا، يضاف للتنويعات ذات الصبغة الإيطالية أو المصرية التى عرفت بها.
منذ تأليفها وتقديمها لأول مرة عام 1871 على مسرح دار الأوبرا الخديوية فى القاهرة، قدم العشرات من فنانى الأوبرا، نساء ورجالا، من بلدان مختلفة شخصيات: عايدة، وراداميس، وأمنيريس، وملك الحبشة أموناصرو، وفرعون مصر، وكبيرة الكهنة، غير أنها ربما تكون المرة الأولى التى تجمع بطلين أساسيين للعرض، من اليابان وكوريا الجنوبية، ما فتح بابا للمقارنة بين العروض التى قدمت خارج مصر وداخلها.
أوبرا عايدة التى تقع فى أربعة فصول، تروى الصراع التاريخى بين الواجب والولاء، مقابل الحب والعاطفة، من خلال أميرة حبشية أسيرة فى مصر، يقع فى حبها قائد الجيوش المصرية، الذى يتولى تأديب الأحباش الذى أغاروا على الأراضى المصرية فى غفلة من الزمن، قبل أن ينكل بهم المصريون، ويأتى القائد المنتصر راداميس بملك الحبشة أموناصرو، والد عايدة، أسيرا ذليلا.
وبدافع الحب لابنة ملك الأحباش يتدخل راداميس لإقناع الفرعون بالعفو عن أموناصرو، وعدم قتله، بل ومعاملته بشكل لائق، مدفوعا بطيبة المصريين وتسامحهم التاريخى، على الرغم من تحذير كبار مستشارى الملك من امكانية التآمر الحبشى فى وقت لاحق، وهو ما كان، حيث يقنع أموناصرو ابنته باستدراج راداميس ومعرفة خطة الجيش المصرى لصد هجوم جنود أحباش تجمعوا من جديد فى جنوب مصر، ما يضع راداميس فى موقف الخائن الذى يحكم عليه بالموت.
وعلى وقع المقطوعات الموسيقية التى عزفتها اوركسترا أوبرا القاهرة بقيادة المايسترو الإيطالى ديفيد كريشينزى، راح جمهور المسرح الكبير فى دار الأوبرا، الخميس الماضى، يقارن ويفاضل بين أبطال العمل الأوبرالى الأشهر، وسط حشد من الوجوه اليابانية، بينها سفير اليابان فى القاهرة، الذين جاءوا لمؤازرة وتشجيع «عايدة اليابانية»، ميتشى ناكامارو، وكأنك فى مباراة فنية بين منتخبات قومية.
وبينما كان الصراع الدرامى، والمنافسة الفنية محتدمة على خشبة المسرح بين اليابانية ميتشى، والمصرية أمينة خيرت التى لعبت دور الأميرة أمنيريس، بدا أن الكفة، وبغير تحيز، تميل لصالح أمينة صوتا وأداء، وحضورا، وإن كان النص يجعل قلب راداميس مشغولا بحب «عايدة»، على حساب شغف وولع الأميرة أمنيريس بالضابط الشاب، قائد الجيوش المصرية!.
لم ينتظر الجمهور انتهاء العرض للحكم على المغنية اليابانية، بل أطلق البعض تقييمه لها فى الاستراحة بين الفصول، وأبدى عدم اقتناعه بلعب ميتشى دور عايدة، فلم تكن بنيتها الجسمانية ولا طبقة صوتها، ولا قدراتها التمثيلية تؤهلها لتجسيد دور الأميرة الحبشية الأسيرة، فى مواجهة الأميرة المصرية أمينة خيرت، وهذا الحكم من واقع رصدى لكواليس صالة العرض وجمهورها.
فى المقابل حظى المغنى الكورى جيمس لى باعجاب الحضور، فرغم أن بنيته الجسمانية لا تقارن مع مغنين أدوا دور قائد الجيوش المصرية من قبل، إلا أن صوته وأداءه كان لافتا، على عكس اليابانية ميتشى، التى همس البعض مازحا للتذكير بمساهمة بلادها فى بناء دار الأوبرا المصرية.
بقى أن الأوبرا، وهى «عمل درامى موسيقى يتخلله حوار غنائى»، ليست فنا للنخبة، كما يشاع، بل إن مفرداتها الفنية يمكن أن يستوعبها الجمهور العام بكل فئاته شريطة البعد عن القوالب الجامدة فى التفرقة بين الفنون التى تعكس ذائقة الشعوب وثقافتها، وأحسب أن المصريين لديهم هذه الذائقة.