فن وضع الأسئلة فى امتحانات الجامعة - محمد زهران - بوابة الشروق
السبت 14 ديسمبر 2024 11:47 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فن وضع الأسئلة فى امتحانات الجامعة

نشر فى : السبت 11 ديسمبر 2021 - 7:40 م | آخر تحديث : السبت 11 ديسمبر 2021 - 7:40 م

تخيل وأنك أستاذ فى الجامعة جاءك أحد الطلاب الذين تدرس لهم إحدى المواد وقال لك إنه حل جميع المسائل فى الكتاب المقرر وأعطاك تلك الحلول وطلب منك أن تعطيه أعلى درجة فى المادة دون الحاجة إلى دخول الامتحان، أليست الدرجة هى مقياس لاستيعاب الطالب للمادة؟ وبحله جميع المسائل فى الكتاب فقد أثبت الطالب لك أنه استوعب المادة العلمية، ماذا سيكون ردك؟ لنفترض أن الطالب قد حل فعلا المسائل بنفسه ودون غش فهل ما فعله يكفى حقا للحصول على الدرجة دون الدخول فى الامتحان (أو تسليم بحث ما أو مشروع إن كانت المادة لا تعتمد على امتحان)؟ السؤال طبعا مطروح للمناقشة ومقالنا اليوم هو محاولة للإجابة عنه من وجهة نظر كاتب هذه السطور.
الدراسة فى الجامعة لها عدة أهداف بجانب إعطاء الطالب المادة العلمية (والتى فى الحقيقة يستطيع الحصول عليها بنفسه عن طريق الانترنت فى عصرنا هذا)، من أهم هذه الأهداف هو إعداد الطالب للحياة العملية بعد الانتهاء من سنوات الدراسة، الحياة العملية فى عصرنا هذا الذى يتميز بسرعة انتقال المعلومات وسهولة الحصول عليها والتنافس الشديد تتميز بعدة صفات يجب على الطالب أن يكون مستعدا لها، أولا تستلزم العمل تحت ضغط الوقت وضغط المنافسة، ثانيا المحتوى العلمى نفسه يتبدل ويتغير فما درسه الطالب فى الجامعة قد يصبح قديما خاصة فى التخصصات العلمية والتكنولوجية، ثالثا المشكلات التى ينبغى على الطالب حديث التخرج حلها فى عمله لا تأتى مباشرة وسهلة بل عليه استخلاص المعلومات والأسئلة الدقيقة من بحر كبير من المعلومات المتوفرة والتى قد تكون ملتبسة فى بعض الأحيان بخلاف الأسئلة المباشرة فى الكتب الدراسية.
لذلك بجانب المادة العلمية يجب أن يتم تدريب الطالب على التعامل مع تلك التحديات التى عليه أن يواجهها بعد التخرج، الامتحان هو إحدى هذه الوسائل التى تساعد على التدريب.
فلسفة الامتحان هى القيام بتقييم الطالب تقييما يساعد الشركات والمؤسسات على معرفة المستوى الحقيقى للطالب، لدرجة أن هناك بعض الجامعات فى أمريكا تريد وضع متوسط التقديرات لكل مادة بالإضافة إلى درجة الطالب نفسه، مثلا إذا حصل الطالب على تقدير جيد جدا تضع الجامعة بجانب تلك الدرجة أن 30% حصلوا على امتياز و40% على جيد جدا إلخ، وبهذا تعرف الشركات والمؤسسات درجة الطالب ومستواه بالنسبة للطلاب فى نفس هذا الفصل الدراسى، وحتى يكون التقييم موضوعيا يجب أن نعيد تقييم مسألة امتحان سهل أو صعب، طبعا هذا يفترض عدم وجود «كوسة» فى التعيينات.
ليس المهم الدرجة أو التقدير نفسه لكن الأهم هو مستوى الطالب وسط أقرانه، وليست هناك أسئلة صعبة أو سهلة ولكن هناك أسئلة تقيم الطالب تقييما صحيحا وأخرى لا تفعل ذلك، السؤال الذى لا يستطيع أى طالب الإجابة عنه لا يقيس أى شىء، كما قلنا إن الامتحان يجب أن يشبه ما سيواجهه الطالب فى الحياة العلمية، الامتحان محدد بوقت وهذا يشبه ضغط الوقت فى المشاريع فى الحياة العملية (على مستوى أصغر طبعا)، الأسئلة لا يجب أن تأتى مباشرة لكن تحتوى على معلومات كثيرة قد لا يحتاجها الطالب كلها لحل المسألة إلخ. طبعا كى نكون منصفين يجب أن يتم تدريب الطلاب أثناء الفصل الدراسى على هذه النوعية من الأسئلة وطرق التفكير النقدية وكيفية المفاضلة بين عدة بدائل متشابهة.
إذا نظرنا بدقة أكثر إلى تلك النوعية من الأسئلة فإننا يمكننا أن نرى الامتحان كأداة تعليمية، الطالب يتعلم من أسئلة الامتحان ولا يعتبره فقط وسيلة تقييم، لذلك أحرص فى المواد الدراسية التى أقوم بتدريسها أن أعطى الطلاب جميع الامتحانات السابقة فى مادتى منذ أن بدأت تدريس المادة ونتناقش فى المسائل ثم أعطيهم الحلول، لذلك عندما يواجهون الامتحان الجديد يكونون قد تسلحوا بالأدوات اللازمة للتعامل معه وهى نفس الأدوات التى ستساعدهم فى حياتهم العملية، طبعا هذا يصعب من موقفى لأنى يجب أن أضع امتحانا جديدا مختلفا عن السابقين لكن على نفس درجة الصعوبة.
فى مقال اليوم تكلمت من وجهة نظر الكليات العملية لأن هذا هو مجالى، الموقف قد يكون فيه بعض الاختلاف فى الكليات النظرية والعلوم الإنسانية، أيضا ما تحدثنا عنه اليوم يمكن تطبيقه بسهولة أكثر فى السنوات الأخيرة من الدراسة (آخر سنتين مثلا) عن السنين الأولى من الدراسة الجامعية.
الآن بماذا ستجيب عن السؤال فى أول المقال؟

محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات