لا يمكن أن تقرأ أو تسمع بيان المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى صدر وأذيع مساء أمس الأول، وعشية الإضراب دون أن تجزم بأن الإضراب نجح قبل أن يبدأ، لا أعرف ما جرى أمس، أكتب هذه السطور صباحا، لكن سواء خلت الشوارع من المارة بفعل الإضراب أو بفعل الإجازة، سواء احتشد الناس فى المسيرات أم لا، فقد نجحت الدعوة، وكل ما جرى خلال الأسبوع الماضى من حوارات زاعقة وبيانات وتصريحات وفتاوى دينية واحتشاد بين كل المؤسسات الرسمية أو شبه الرسمية السياسية منها والحزبية والدينية، هو دليل على نجاح الدعوة، ودخول الزخم السياسى فى مصر إلى مرحلة أعمق تكفل حماية الديمقراطية بكل معانيها، واستبعاد أى رهان على موت السياسة وموت الشارع مستقبلا.
أنت أمام صراع إرادات يملك الشارع منه نصيبا حقيقيا، فى اللحظة التى أعادت فيه بعض الأطراف الميدانية الفاعلة تموضعها فصارت بحكم الواقع الانتخابى أقرب للسلطة منها إلى الشارع الثورى، ظن البعض أن هذا الشارع فقد قدرته على التأثير بخسارة قوى لا يستهان بها انضمت بشكل شبه رسمى إلى السلطة بمجرد أن صارت لها أغلبية برلمانية تخشى عليها، وطموحا مشروعا فى مواصلة طريق الحكم ترجو بلوغه دون عقبات.
لكن الشارع الثورى بقى حيا وقويا وقادرا على انتزاع التنازلات من العسكر كما كان طوال العام الماضى، هذا الشارع هو الذى يفرض حتى هذه اللحظة أبجديات استكمال الثورة، ولولاه لانتهى الأمر إلى اعتبار أن الثورة قامت وانتهت وحققت انجازها الأول والأخير والوحيد بتنحى الرئيس السابق.
لديك مجتمع كله يتحدث عن الإضراب والعصيان سواء من جانب من يؤيدونه أو من يعارضونه، هذا فى حد ذاته ترويج للمعنى والمصطلح والآلية حتى لو رأى البعض أن هذا الوقت ليس أوانه، كما أن لديك مساحة اتفاق هائلة بين كل القوى السياسية التى أيدت الإضراب أو التى عارضته بشدة، إن الثورة مازالت فى حاجة إلى استكمال، وأن أهدافها لم يتحقق منها سوى بعض المظاهر دون نفاذ لجوهر الأهداف التى التف حولها المصريون، وعندما يتعرف رافضو الإضراب على أن الثورة فى حاجة لاستكمال، فهم يقدمون مشروعية سياسية حقيقية لهذا الإضراب حتى دون أن يشاركوا فيه، مجرد أن تختلف مع الآلية أو الوسيلة أو التوقيت ولا تختلف مع الهدف، فأنت فى صف من يسعى لهذا الهدف حتى دون دعم مباشر.
طرف وحيد لا يعتقد أن الثورة فى حاجة إلى استكمال، هو المجلس العسكرى، الذى يظن أن إجراءاته هى غاية الكمال وغاية النجاح أيضا، وهذا يعكس لك الأزمة التى يعيشها المجلس العسكرى الآن بفعل نشاط الشارع الثورى، والذى جعله المختلف الدائم حتى لو اقتربت منه بعض القوى أحيانا فى بعض مواقف، لكن الإجمال من وراء ذلك أن المجلس العسكرى سياسيا صار فى ضفة بينما غالبية المجتمع بمن أضرب بالأمس ومن رفض فى ضفة أخرى.
نجح الإضراب قبل أن يبدأ.. لأنه أظهر مساحات الاتفاق، وأكد من جديد أن الثورة مستمرة، كما أكد أن الشارع سيبقى حارسا، وهذه رسالة لأى سلطة تكتفى بظواهر الأشياء ولا تقترب من جوهر مطالبه الحقيقية.