الموقف الأوروبى تجاه تطور الأوضاع فى مصر لم يتزحزح كثيرا منذ 3 يوليو الماضى إلى الآن، وما صدر عن البرلمان الأوروبى ثم اجتماع وزراء الخارجية منذ أيام لم يأت بجديد، ويكاد يكون امتدادا للاتجاه الذى لم يحد عنه الأوروبيون، وهو القبول بخارطة الطريق مع المطالبة بأن تكون استيعابية تضم كل الأطياف السياسية، بما فى ذلك المعسكر الإسلامى الملتف حول الإخوان المسلمين. البيان الذى صدر عن البرلمان الأوروبى يتحدث عن «معتقلين سياسيين» يطالب بمحاكمة عادلة لهم، وليسوا متهمين «محبوسين على ذمة قضايا جنائية»، ويشير إلى «الإخوان المسلمين» و«مؤيدى الرئيس مرسى» دون أن ينعتهم بالإرهاب، رغم أنه يدين الإرهاب والعنف، ويطالب بتعزيز حرية الرأى والتعبير، والحق فى التنظيم، ويدعو إلى إصلاح القضاء بما يؤدى إلى الفصل بين السلطات، وأيضا ضمان حقوق المرأة، ومن يطلق عليهم «الأقليات الدينية»، وتشكيل لجان تحقيق مستقلة، جادة، وغير منحازة للتحقيق فى أعمال العنف التى وقعت، ومحاسبة المتسببين فيها.
الإشادة الأوروبية ببعض مما ورد فى الدستور من مواد تدعم الحريات العامة، لم تغفل الإشارة إلى أن لجنة الخمسين التى وضعت الدستور لم يمثل فيها «الإخوان المسلمون»، فضلا عن الحديث عن بعض مظاهر انتهاك حقوق الإنسان. الواضح أن الطرف الأوروبى يصر على اعتبار «الإخوان المسلمين» طرفا رئيسيا فى السياسة المصرية إن لم يكن فى الحكم، يجب أن يكون فى المعارضة. والحكومة المصرية، يساندها مزاج شعبى، تدمغ الإخوان المسلمين بالإرهاب، وترى النخب السياسية والثقافية أن استيعابهم مرة أخرى «غير ممكن».
الغرب، أوروبا والولايات المتحدة، لا يزال على تصوراته التى تبلورت عقب أحداث 11 سبتمبر الشهيرة من أهمية «استيعاب» الإسلاميين «المعتدلين» ــ ويرون أن الإخوان المسلمين من ضمنهم ــ فى إطار مواجهة «إرهاب القاعدة»، وغيرها من الجماعات الجهادية. هذا التصور تبلور على مدى سنوات فى الدوائر السياسية والأكاديمية، وهناك كم مذهل من الدراسات فى هذا المجال، وليس من السهل إعادة النظر فيها سريعا بعد أن أصبحت جزءا من التصور الاستراتيجى.
هذا هو الموقف الغربى عامة، والأوروبى خاصة. فماذا نحن فاعلون؟
الحل ليس فى إعلان رفض التدخل الخارجى، وإصدار بيانات الشجب والإدانة، ولكن فى الديمقراطية التى تشكل الأساس الوحيد لبناء نظام سياسى مستقر. يقتضى ذلك التوسع فى ممارسة العمل السياسى، وتشجيع القواعد الشبابية المنتمية للتيار الإسلامى، التى لم تشترك فى العنف، على الانخراط فى العملية السياسية، وتعزيز الانفتاح والتفاعل فى المجال العام بين التيارات الثقافية والسياسية، وعقد انتخابات تنافسية رئاسية وبرلمانية تجذب أنظار العالم من حيث دقتها، وحياديتها، ونزاهتها، وجديتها فى الوقوف على مسافة واحدة من كل المتنافسين، وتشجيع الإعلام للحوار الهادئ والعقلانى حول القضايا العامة، واحترام حقوق الإنسان، ووقف أية ممارسات تنتهك حقوق المواطن الأساسية. هذه ليست بالمهمة السهلة فى مجتمع يواجه أخطارا داخلية وخارجية مما يجعل المفاضلة بين «الأمن» و«الحرية» إشكالية دائمة.
المشوار نحو الديمقراطية والتنمية طويل، يحتاج إلى تماسك داخلى، ودعم خارجى.