أسباب الغضب فى قضية مروة الشربينى - عبد العظيم حماد - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 9:01 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أسباب الغضب فى قضية مروة الشربينى

نشر فى : الأحد 12 يوليه 2009 - 8:47 م | آخر تحديث : الأحد 12 يوليه 2009 - 8:48 م
مرة أخرى، ولن تكون الأخيرة، يسبق الرأى العام الحكومة، ونخب المثقفين المنظمين فيما يسمى بمنتخبات المجتمع المدنى، وبمنظمات حقوق الإنسان فى الفهم والتعبير، وذلك فى قضية مقتل الشهيدة مروة الشربينى، فى قاعة محكمة دريسدن الألمانية، بينما كانت تناضل بالسبل الديمقراطية القانونية السليمة، للحفاظ على حقوقها، ورد اعتبارها.

ليس أسوأ من تخاذل الحكومة الألمانية، عن وضع الجريمة فى سياقها السياسى الصحيح، إلا عجز الحكومة المصرية، خاصة وزارة الخارجية، وعجز منظمات حقوق الإنسان الممولة من دول الغرب (الديمقراطية) عن إدراك مسئوليتها فى مواجهة جريمة بشعة من هذا النوع. لقد اتفقت هذه الجهات كلها فى بداية الأمر ودون تنسيق فيما بينها بالقطع؛ أى الحكومة الألمانية، ومحطات التليفزيون والصحف فى ألمانيا، والحكومة المصرية ومنظمات حقوق الإنسان فى مصر وفى سائر البلدان العربية والإسلامية والأوروبية على اعتبار هذه الجريمة عملية فردية، ومن ثم لا تستحق الانتباه، ولا حتى الإعلام أعطاها ما تستحقه.

مع أنه كان واضحا منذ اللحظة الأولى أن القاتل مثلما كان يعبر عن نفسه بأنه كان يعبر عن تيار، وهذا التيار بدوره جزء من مناخ، شارك فى صنعه سياسيون ومثقفون، كما أن وقوع الجريمة بعد سنة تقريبا من بدء النزاع القضائى بينه وبين مروة، وثبوت إدانة على الخلفية النازية المتطرفة للجانى، يؤكدان حدوث تقصير، يرقى إلى حد الإهمال الجسيم من جانب السلطات المحلية، فى ولاية سكسونيا، وزارة الداخلية الاتحادية فى ألمانيا، ومن جانب وهذا هو الأخطر إدارة حماية الدستور الألمانية.. وهى إدارة مستقلة استحدثها الدستور الألمانى، ومنحها اختصاص مراقبة الأنشطة السياسية المهددة للنظام الديمقراطى والقانونى المعمول به فى البلاد، وكلفها الدستور بجمع المعلومات عن هذه الأنشطة وإبلاغها إلى الجهات المعنية فى الحكومة والبرلمان، كما كلفها بتنبيه الرأى العام إلى هذا النوع من الأنشطة، وإلى من يقومون بها، خاصة أولئك المحتمل أن يرتكبوا أعمال عنف.

وكما اتضح من رصد الصحف الألمانية لخلفية الجانى ولو بعد أسبوع من وقوع الحادثة، وبتأثير ثورة الرأى العام المصرى الإسلامى داخل ألمانيا فإن هذا القاتل له ماضٍ كان يقطع بأنه مصدر خطر على حياة مروة، فقد كان مجندا للحرب ضد المسلمين فى الشيشان عندما كان فى روسيا، وكان يحضر اجتماعات النازيين الجدد فى بريزونة، كما سبق له أن هدد مروة الشهيدة بقوله: «أنت لا تستحقين الحياة هنا بل لا تستحقين الحياة أصلا»، وهذا كله من تقارير الصحف الألمانية نفسها، فماذا كان يمكن أن يحرك أجهزة الأمن، ومؤسسات القضاء، وإدارة حماية الدستور الألمانية لمراقبة حرم بريزونة، وتوفير الحماية الكاملة لمروة الشربينى وأسرتها؟!

الغريب؛ أن اهتمام صحيفة «الشروق» بالحادث من أول لحظة، ثم مجاراة الصحف المصرية لـ«الشروق» بعد مرور يومين كاملين، ثم دخول الصحف ومحطات التليفزيون العربية على الخط فى اليوم الرابع، كان تعبيرا حاذقا عن حسن فهم وإدراك الرأى العام فى مصر وبين مسلمى ألمانيا وسائر الأقليات فيها، فيما كانت الأجهزة الرسمية فى القاهرة وفى ألمانيا وكذلك كانت قيادات منظمات حقوق الإنسان، لا تزال تتثاءب. ونتساءل: هل أخذ الموضوع أكبر من حجمه لمجرد أن مروة كانت ترتدى حجابًا، والمعنى الخفى هنا أن هذه «الهوجة» هى من تدبير انتهازيين إسلاميين.. ولا شىء يمكن أن يحزن المدافعين الحقيقيين عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والعلمانية أكثر من ذلك. فالعداء للأجانب والمختلفين لدى العنصريين الألمان أو غيرهم، لا يفرق بين مسلمة محجبة ومسلمة غير محجبة، ولا بين مسلمة وبين يهودية أو سيخية ملونة، وليس الحجاب هو وحده الرمز الدينى العلنى، ولكن هناك أيضا القلنسوة اليهودية، والعمامة السيخية.... إلى آخره!

والمعنى هو استنكار تذرع البعض (بالحجاب) لتصوير رد الفعل الغاضب وكأنه غضب لمصلحة تنظيم أو خيار سياسى إسلامى يطلقون عليه من باب التعميم الأصولية الإسلامية. الأغرب أن البعض يحاول فى سياق استنكاره لغضب المصريين والمسلمين، وتبريره للتخاذل أو لبطء الفهم أن يدفع بمقارنات ليس هنا مكانها أو زمانها. فيتحدث هؤلاء عن ثقافة كراهية الغرباء لدينا، والمختلفين لدينا فى مصر وغيرها من الدول العربية والإسلامية، يتساءل هؤلاء عن رد فعل الرأى العام العربى والإسلامى عندما تقع مثل هذه الجرائم ضد أجانب على أراضينا. وإذا لا ننكر تخلق الكثيرين منا، إذن أيضا لا ننكر إدمان الكثيرين منا للمعايير المزدوجة، فيجب ألا ينسى المتخاذلون أن هذه العيوب هى بالضبط ما نكافحه أو يطالبنا الغرب الديمقراطى بالتخلص منه. ولذا فإن شيوعها بيننا لا يصبح مبررا لقبولها فى ألمانيا أو غيرها من الدول الأوروبية، ويجب ألا يكون مبررا يخجلنا من الغضب منهم، ومطالبتهم بالاعتذار، عندما تقع جريمة مثل جريمة قتل مروة بما شابها من تقصير وإهمال جسيم وعدم اكتراث فى البداية، لأن غضبنا هنا ليس فقط مشروعا، ولأن الاعتذار المطلوب هنا ليس فقط واجبا على المقصرين وغير المقصرين، ولكن أيضا لأن هذا وحده هو الذى يجعل لنا مصداقية لدى قومنا عندما نطالبهم بنبذ التعصب والتطرف العنصرى وبقبول مبادئ المواطنة والديمقراطية والأخوة الإنسانية.
عبد العظيم حماد رئيس تحرير جريدة الشروق السابق. كاتب صحفي مصري بارز ، وشغل عدة مناصب صحفية مرموقة على مدار تاريخه المهني.ولد عام 1950 ، وحصل على بكالوريوس العلوم السياسية ، وعمل كمحرر ومعلق سياسي منذ عام 1973 ، سواء في الإذاعة والتليفزيون أو في مجلة أكتوبر أو في جريدة الأهرام ، وكان مديرا لتحرير الأهرام الدولي في أوروبا ، وكبيرا لمراسلي الأهرام في منطقة وسط أوروبا ، وله مؤلفات وأبحاث وكتابان مترجمان ودراسات دولية متنوعة.