كم بلغت تكلفة الكتاب الضخم الفخم الذى أصدره مجلس الوزراء عن الستين إنجازا فى ستين شهرا أمضاها الدكتور أحمد نظيف رئيسا للوزراء؟
وما معنى أن إهدار هذه الأموال فى الدعاية والإعلان عن رئيس الحكومة باعتباره يقدم كل شهر إنجازا؟
عنوان الكتاب فى حد ذاته يدعو للضحك، على طريقة الكتب المنتشرة على الأرصفة تحمل عناوين من عينة «أسرع مائة نكتة» و«ألف نكتة ونكتة»، وبهذا الاعتبار فقط يمكن استقبال كتاب بهذا الحجم، وبهذه الطريقة الفجة فى الدعاية، وكأن منصب رئيس الوزراء فى بلادنا السعيدة يتم شغله عن طريق الانتخاب الحر المباشر، كما يحدث فى الدول المحترمة.
يبدأ الكتاب بمقدمة للدكتور نظيف تتحدث عن أن حكومته «بدأت برنامجا طموحا لتحديث المجتمع المصرى» وكأن المجتمع المصرى قبل مجىء سعادته كان غارقا فى مستنقعات التخلف والبداوة، وهى عادة لا تتغير أبدا فى كل الحكومات المصرية، ذلك أن أى مسئول جديد يأتى، سواء بحجم رئيس الوزراء أو أكبر من ذلك، يبدأ عصره الميمون بأنه استلم تركة ثقيلة وأن الأوضاع غاية فى السوء والصورة فى منتهى القتامة، على نحو مسيل لدموع المواطنين إشفاقا على هذا المسئول المسكين، الذى يحمل أمانة تنوء بحملها الجبال، إلى الحد الذى يدفع بعضهم للتفكير فى الهجرة أو الانتحار، تخفيفا عن كاهل المسئولين الأبرياء.
ولا يغادر كتاب الدكتور نظيف كبيرة ولا صغيرة فى عصره السعيد إلا ويعتبرها إنجازا، حتى تصورت أنه سيعتبر مجرد استيقاظ الوزراء من نومهم وذهابهم إلى مكاتبهم هو بحد ذاته إنجاز كبير يضاف إلى سلسلة فضائل وأفضال الحكومة على الشعب، إذ تتعدد الإنجازات وتتنوع من إصلاح الأجور وحتى إنعاش الدور الريادى لمصر، مرورا بالإنجازات العملاقة فى التعليم والصحة والإسكان والمياه والصرف الصحى.
باختصار يقدم الكتاب مصر فى «العصر النظيفى الأول» وكأنها الجنة.
وما دام ذلك كذلك فإننى من الآن أحذر من موجات من الهجرات الجماعية لشعوب الدول المتخلفة فى أوروبا وأمريكا واليابان والصين باتجاه مصر طلبا لنصيبها من الجنة فى الدنيا، فضلا عن شلالات من طلبات اللجوء الاقتصادى والاجتماعى لبلاد تحقق كل شهر إنجازا غير مسبوق فى شتى مناحى الحياة.
غير أن اللافت فى الأمر أن الإعلام الحكومى أثبت مرة أخرى أنه يكيل بمكيالين فى هكذا قضايا، ذلك أن أحدا لم يغضب أو يبدى تبرما من هذا الإهدار للمال العام فى إنتاج كتب تروج لرئيس الوزراء و«تلمع» سياساته على نحو سافر وأكثر فجاجة مما أقدم عليه محافظ المنيا اللواء أحمد ضياء الدين قبل شهور معدودة بإصداره كتابا فخما فى مناسبة العيد القومى للمنيا تصدرته صورته وهو يوسع شعب المنيا إنجازات ومشاريع عملاقة.
وساعتها أوسعت بعض أقلام صحافة الحكومة السيد اللواء المحافظ نقدا وتقريعا رافعة بيارق حماية المال العام من العبث.
لكن أكثر ما استرعى الانتباه فى كتاب الدكتور نظيف أنه لم يخصص فصلا لإنجازه الرياضى الكبير حين سدد ضربة جزاء مشكوك فى صحتها عندما كانت الحكومة تلعب مع نفسها ــ وعلينا ــ فى مباراة القرية الذكية.