عندما رأيت صورتها المنشورة فى الصحف، مع خبر وفاتها عن 71 عاما، أخذت أتأمل الصورة جيدا، عسى أن أجد فيها لمحة من صورتها التى التصقت بذهنى وهى فى الخامسة أو السادسة من عمرها. طفلة جميلة، مستديرة الوجه كأبيها الملك فاروق، وشعرها يتدلى على كتفيها فى ضفيرتين.
استطعت أن أعثر فى صورتها المنشورة ــ والتى التقطت قبيل وفاتها بمدة قصيرة ــ على مسحة من الجمال القديم، ولكننى وجدت فيها أيضا حزنا عميقا، لا بد أنه كان نتيجة للأحداث الجسيمة التى مرت بها هى وأسرتها.
سمعنا بمولدها وأنا طفل فى روضة الأطفال، وسرعان ما علّمونا فى المدرسة أن نغنى نشيدا بمناسبة مولدها، مطلعه:
فريال يا فريال
يا معقد الآمال
لم يكن هناك أى سبب بالطبع لأن يعتبرها الشعب المصرى معقدا لآماله، وإن كان أبوها الملك الشاب ما زال محبوبا من الناس فى ذلك الوقت، ليس بسبب عمل جيد قام به، ولكن لأنه فقط لم يكن قد ارتكب عملا سيئا بعد.
ثم توالت الأخبار السيئة عن الملك، وتناقل الناس شائعات سيئة جدا عن سلوكه الشخصى، حتى فوجئنا بالصفحة الأولى فى الجرائد تنشر خبر طلاق الملك من الملكة فريدة، وكانت قد ولدت له بعد فريال بنتين أخريين، وقد حرص مستشارو الملك على أن ينشروا خبر الطلاق وإلى جانبه فى نفس الصفحة خبر طلاق آخر، هو طلاق أخته الإمبراطورة فوزية من شاه إيران، لكى يعرف الناس أن واقعة الطلاق شيء عادى جدا، لا يختلف كثيرا عن واقعة الزواج نفسها.
ساءت أحوال الملك بعد الطلاق، وزادت الشائعات عن سوء سلوكه، فلم يشعر الناس بأى ابتهاج عندما أعلن عن زواجه للمرة الثانية، كما لم يبتهج الناس بالطبع بخبر ميلاد أول صبى له فى مطلع سنة 1952.
أذكر جيدا كيف أن الصحف والمجلات أخذت تتبارى فى ذلك الوقت فى نشر المقالات السقيمة نفاقا للملك بمناسبة مولد ولىّ العهد، حتى لم تبق إلا مجلة واحدة لم تفعل ذلك وهى مجلة ثقافية مرموقة (الثقافة) التى كان أبى رئيسا لتحريرها. قال لنا أبى إن شخصا كبيرا من القصر الملكى اتصل به معاتبا له على أن مجلته هى المجلة الوحيدة التى لم تنشر تهنئة للملك بهذه المناسبة. قال لنا أبى أيضا إنه حاول كتابة مقال فى هذا الشأن فكتب سطرين ثم لم يطاوعه قلمه، فمزق الصفحة وأقلع عن المحاولة.
ثم اتصل بمدير تحرير المجلة (وكان الدكتور زكى نجيب محمود) وأخبره بما حدث، وقال له إن له الحرية فى أن يكتب تهنئة باسمه إذا شاء. فعل الدكتور زكى نجيب ذلك فنشر فى المجلة افتتاحية قصيرة بعنوان «مولد أمير» وقد قال الدكتور زكى نجيب لأخى حسين بعد ذلك: إنه ندم على كتابة هذه الافتتاحية ندما شديدا، وأنه تلقى خطابات غاضبة كثيرة بسببها.
كان بجوار بيتنا فى مصر الجديدة سينما صيفية اسمها سان استيفانو، فلما ولدت الأميرة فريال تغير اسمها إلى سينما فريال. ولكن قامت الثورة بعد ستة أشهر من مولد الأمير أحمد فؤاد فتغير اسم السينما من جديد فأصبح سينما التحرير.
وقد استقبلنا الثورة بفرح غامر، ولم نعبأ على الإطلاق بمشاعر الأسرة المالكة عندما سمعنا برحيلهم عن البلاد. أذكر أن أمى كانت هى الوحيدة التى عبَّرت عن حزنها من أجلهم، وأذكر تبريرها لهذا الحزن بقولها إنها تعرف جيدا شعور «عزيز قوم ذلّ».
مر أكثر من نصف قرن على رحيل الأميرة فريال من مصر، وهى فى الثالثة عشرة من عمرها، ولا بد أنها مرّت خلال هذه المدة بفترات كثيرة من الشعور بالمرارة لما حدث لأسرتها، قبل أن يصيبها مرض السرطان. ولا بد أن أعترف أننى شعرت ببعض الاستغراب (اللا عقلانى بالمرة بالطبع) عندما عرفت بإصابتها بهذا المرض، وكأن من الغريب أن يصيب هذا المرض أميرة جميلة مثل فريال.