تدمير أنفاق حزب الله الإرهابية الذى بدأته إسرائيل فى الأسبوع الماضى، هو دليل إضافى على التفوق التكنولوجى والاستخباراتى للجيش الإسرائيلى الذى لا يخفى عن أنظاره أى شيء يجرى فى لبنان. وما حدث هو أيضا ضربة تلقاها حزب الله، ليس فقط لأنه فوجئ وأُحرج، بل أيضا، وبالأساس، لأن الأنفاق كان من المفروض أن تكون «سلاح يوم القيامة»، وبواسطته كان الحزب ينوى تحقيق الحسم فى المعركة.
كما فى الماضى، الانتصار فى الجولة المقبلة سيكون قبل كل شيء انتصارا فى مجال الوعى، من ينجح فى تقديم صورة انتصار وتقويض معنويات الطرف الثانى، يتوَّج كمنتصر وينجح فى فرض وقف إطلاق النار بشروط مريحة بالنسبة إليه. أمِل حزب الله بأن تشكل السيطرة المفاجئة من خلال الأنفاق على موقع عسكرى أو مستوطنة، ورقة رابحة. ولقد حرمت إسرائيل الحزب هذه الورقة.
ولأن المواجهة فى جزئها الأكبر هى تحديدا على الوعى، من المؤسف أن نكتشف أنه فى هذا المجال، على خلاف مطلق مع المجال التكنولوجى والاستخباراتى، لم تلعب إسرائيل اللعبة بصورة جيدة. وبدلا من إظهار قوة وإصرار وإطلاق تهديدات فى اتجاه حزب الله الذى انتهك سيادتها بصلف، اختارت إسرائيل تعظيم صورتها فى نظر الجمهور الإسرائيلى كمهدَّدة وخائفة، وبذلك كانت ألعوبة فى يد حزب الله. ويا للأسف.
تجرى العملية الهندسية التى يقوم بها الجيش كلها داخل الأراضى التابعة للسيادة الإسرائيلية. ليس المطلوب أن تكون خبيرا كى تقدّر أن حزب الله فى مثل هذه الظروف سيمتنع عن القيام بأى رد، وسيحرص على عدم تجاوز خط الحدود، كما حرص على ذلك منذ حرب لبنان الثانية. مع ذلك، التقارير المنشورة فى وسائل الإعلام أشاعت خوفا ورعبا من رد محتمل من حزب الله، وزرعت فى الجمهور خوفا من حرب على الأبواب. وبذلك، بدلا من أن يشعر الحزب بأنه مهدَّد لأنه انتهك سيادة إسرائيل، تحولت هذه الأخيرة إلى موقع دفاعى.
من أثبت قدراته هو تحديدا الجيش الإسرائيلى، بينما ظهر حزب الله كتنظيم «مخترق» ومكشوف وفى الأساس مهدد ومرتدع. وبدلا من أن يلعق الحزب جراحه، أعطيناه نقاط تفوّق فى الصراع على الوعى.
فى الحقيقة، حزب الله هو عدو يمكن أن يكون هجومه على إسرائيل مؤلما ويجب التعامل معه بجدية. وليس عبثا أن حزب الله هو المرتدع والخائف من إسرائيل، وزعيمه حسن نصر الله لا يتجرأ على الظهور علنًا منذ أكثر من عشر سنوات.
فى إمكان الحزب أن يحاول إدخال عشرات من عناصره إلى أرض إسرائيل، وحتى السيطرة على مستوطنة أو عدد من المنازل؛ وهو قادر على إمطار إسرائيل بالصواريخ. لكن إسرائيل، إذا أرادت وكانت حازمة بالدرجة الكافية، قادرة على احتلال لبنان كله وألاّ تُبقى فيه حجرا على حجر. كل من فى لبنان يعرف ذلك؛ من هنا الخوف فى لبنان، وأيضا داخل تنظيم حزب الله، من حرب إضافية، خوف لا يعرفه كثيرون فى إسرائيل.
هذ الأمر مهم، لأن التحدى فى مواجهة حزب الله لا يزال أمامنا. منذ وقت ليس بعيدا كشف رئيس الحكومة نتنياهو أن حزب الله يريد أن يقيم فى وسط بيروت مصانع لتطوير دقة الصواريخ التى لديه. وأوضح أن بدء العمل فى هذه المصانع بالنسبة إلى إسرائيل هو خط أحمر لا يمكن تجاوزه. لكن فى حالة كهذه عمليات خرق وحفر فى أرض إسرائيل ليست كافية، ومن الواضح أننا سنكون بحاجة إلى عملية عسكرية يمكن أن تجر المنطقة إلى جولة عنف لم نشهد مثلها منذ صيف 2006.
قبل جولة عنف كهذه ــ على أمل بأن يرتدع حزب الله وألاّ تكون هناك حاجة إليها ــ نحن بحاجة إلى حصانة جماهيرية، وفى الأساس إلى رأى عام واعٍ ويقظ، وليس إلى رأى عام يعيش خوفا دائما. هذا هو السر الذى سيؤدى إلى الحسم وتقصير أمد المواجهة المقبلة. فى اللحظة التى يقتنع فيها حزب الله أن جهوده لترهيب الرأى العام فى إسرائيل كى يضغط على الحكومة لتتنازل، لم تفلح، يتحقق الحسم.
إيال زيسر
يسرائيل هَيوم