أعلنت المملكة العربية السعودية وإيران يوم الجمعة، 10 مارس، موافقتهما على إعادة العلاقات الدبلوماسية بعد أيام من المحادثات السرية بوساطة دبلوماسيين صينيين فى بكين. فى ضوء ذلك، نشر مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية CSIS تحليلا للكاتب جون ألترمان، قام فيه بالإجابة على أسئلة مهمة؛ شرح لماذا توصلت الرياض وطهران إلى اتفاق الآن، وما الذى يعنيه أن الصين ساعدت فى التوسط فى الاتفاقية، وما يخبرنا به كل هذا عن دور الولايات المتحدة فى الخليج، كما أوضح دبلوماسية السعودية تجاه طهران وتل أبيب لموازنة مصالحها.. نعرض التحليل فيما يلى:بخصوص إعادة البلدين العلاقات الآن، قال ألترمان: يبدو أن الاتفاقية قد تم دفعها إلى الأمام خلال زيارة الرئيس إبراهيم رئيسى إلى بكين الشهر الماضى. وذلك بعد ممارسة الرياض ضغوطا على طهران من خلال دعمها لمحطة تلفزيونية ناطقة بالفارسية مقرها فى الخارج تنتقد النظام الإيرانى. دفع ذلك رئيسى منذ أن تولى منصبه فى أغسطس 2021 إلى الإعلان عن أن تقليل التوترات مع الجيران الإقليميين يمثل أولوية لنظامه. إذ كان لدى السعودية وإيران مجموعة من الاختلافات فى جميع أنحاء المنطقة، غالبا ما ترجمت لحرب بالوكالة فى كل من لبنان وسوريا إلى العراق واليمن. زودت إيران قوات الحوثى فى اليمن بالأسلحة التى هددت السكان السعوديين على الحدود وفى المناطق الداخلية. لذلك تهتم المملكة العربية السعودية بشكل متزايد بإيجاد طريقة لإنهاء الصراع فى اليمن، ومن المرجح أن تدفع هذه الاتفاقية ذلك إلى الأمام.
●●●
يرى ألترمان أن «تسهيل المفاوضات بين الدولتين الإسلاميتين يضيف إلى المكانة الصينية، كما أن الاتفاقية تعنى الكثير لوجود الصين فى الخليج». وأضاف: «إن الرسالة غير المباشرة التى ترسلها الصين هى أنه فى حين أن الولايات المتحدة هى القوة العسكرية الغالبة فى الخليج، فإن الصين لها وجود دبلوماسى قوى ومتصاعد. وهذا يضيف إلى تصور القوة والنفوذ الصينى فى جميع أنحاء العالم، ويساهم فى تضاؤل الوجود العالمى للولايات المتحدة».
واستكمل: برغم سعى العراق للعب دور فى التوسط فى المحادثات السعودية الإيرانية، وسعى الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون بنشاط إلى دعم التقارب أيضا، إلا أن الصين كانت فى وضع اقتصادى جيد للتعامل مع كلا الجانبين. إذ تمثل الصين وحدها نحو 30٪ من إجمالى التجارة الدولية لإيران، كما أن الصين هى أكبر سوق لتصدير النفط السعودى. وعندما زار الرئيس شى جين بينج المملكة العربية السعودية فى ديسمبر الماضى، اشتكى الإيرانيون بمرارة من ميله نحو السعودية فى تصريحاته وأفعاله. ومع ذلك، نظرا لعزلة إيران الدولية، لم يكن هناك الكثير الذى يمكن أن تفعله طهران للاحتجاج.
●●●
أما بخصوص تأثير التوصل لمصالحة بين الرياض وطهران على الولايات المتحدة ودورها فى الخليج، قال ألترمان: لم يكن بوسع واشنطن التوسط فى هذه الاتفاقية لأنه لم يكن لديها اتصال مباشر مع إيران. كما أزالت مغادرة رئيس الوزراء العراقى السابق مصطفى الكاظمى من منصبه فى أكتوبر 2022 إمكانية إتمام ذلك فى ظل المساعى العراقية الحميدة، التى حظيت بدعم هادئ من الحكومة الأمريكية. إدارة بايدن أكدت على أهمية الحوارات الأمنية الإقليمية وكانت تدعمها بشكل عام. لكن حقيقة أن المملكة العربية السعودية أبرمت الاتفاقية بطريقة يبدو أنها استبعدت تماما الولايات المتحدة ترسل رسالة مفادها أن السعوديين يسعون إلى تنويع رهاناتهم على الأمن وعدم الاعتماد كليا على واشنطن. وحكومة الولايات المتحدة لديها رأيان فى ذلك؛ إنها تريد أن تتحمل الرياض مسئولية متزايدة عن أمنها، لكنها لا تريد أن تعمل السعودية بشكل مستقل وتقوض الاستراتيجيات الأمنية الأمريكية.
●●●
ختاما، كشف ألترمان الدبلوماسية السعودية فى المنطقة، ذاكرا أن السعوديين نظموا هذه المفاوضات بطريقة جعلت الولايات المتحدة عمدا بعيدة عن الاتفاقية. لكن فى الوقت نفسه تقريبا، سرب السعوديون لصحيفة وول ستريت جورنال أنهم منفتحون على التفاوض بشأن التطبيع الدبلوماسى مع إسرائيل وكشفوا عن بعض الشروط. الرسالة من الرياض هى أنها لن تكون سلبية فى الدبلوماسية الإقليمية، وستتخذ إجراءاتها الخاصة فى كيفية تحقيق التوازن بين مصالحها.
فى الحقيقة، شكوك السعودية تجاه إيران عميقة للغاية، كما أن العداء الإيرانى تجاه المملكة العربية السعودية راسخ بالمثل. لذا يتوقع البلدان أنهما سيظلان متخاصمين، لكنهما يعتقدان أن المزيد من قنوات الاتصال المباشرة ستخدم مصالحهما. ومع ذلك، يشعر السعوديون بتهديدات جدية من إيران، مما يجعل الحفاظ على الضمانات الأمنية الأمريكية تجاه العدوان الإيرانى ضد السعودية، والسعى للحصول على موافقة الولايات المتحدة على بعض تخصيب اليورانيوم، وتعميق التفاهمات الأمنية مع إسرائيل، جزءا من استراتيجية أوسع ضد ما يعتبره السعوديون تهديدا إيرانيا دائما.
ترجمة وتحرير: ياسمين عبداللطيف زردالنص الأصلي