بعد انقشاع الغبار - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 8:50 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بعد انقشاع الغبار

نشر فى : الجمعة 13 مايو 2016 - 9:50 م | آخر تحديث : الجمعة 13 مايو 2016 - 9:50 م
يتضح لنا يوما بعد يوم أن صدام اجهزة الامن مع نقابة الصحفيين، كان اكبر بكثير من مجرد زميلين تم اقتحام النقابة للقبض عليهما، تنفيذا لامر ضبط واحضار، صادر بحقهما من النيابة العامة.

يبدو لى ان الهدف الجوهرى للحكومة وأجهزتها، هو إعادة ضبط قواعد اللعبة من جديد مع الصحافة والاعلام فى اطار مسعى اكبر لفعل ذلك، مع مؤسسات وقوى المجتمع.

لدى الحكومة يقين بأن غالبية وسائل الاعلام المؤثرة منفلتة، وتعمل طبقا لاجندات مصالح وافكار اصحابها، وأنها لا تقدر الظروف الصعبة التى تمر بها البلاد، خصوصا الارهاب على الارض أو التطرف فى العقول، أو قلة الوعى والازمة الاقتصادية الطاحنة، بل وهناك اتهامات مبطنة بأن الاعلام الخاص يتآمر ضد البلد واستقرارها.

قبل ايام كتبت فى هذا المكان بعنوان «قراءة شريرة لما حدث»، وكنت أعتقد وقتها ان اقتحام النقابة يتعلق فقط باطلاق سحابة دخان لتمرير قانون الاعلام الموحد، ولكن بعد قصقصة ريشه، اضافة إلى تحييد سلم نقابة الصحفيين وعدم تحويله إلى ايقونة لتجميع المعارضين للنظام.

الصحفيون من جهتهم يريدون ان يتمتعوا بحد معقول من الحريات، خصوصا حرية التعبير والحصول على المعلومات وتداولها ونشرها، وان يتمتعوا بالحد الادنى من الحماية وهم يؤدون عملهم. معظمهم يضحكون سخرية حينما يتهمهم بعض الجهلاء أو الخبثاء بأنهم اغنياء وعلى رأسهم ريشة، والسبب انهم يعيشون هذه الايام واحدة من اصعب فتراتهم بؤسا على المستوى الاقتصادى. بالطبع هناك مجموعة قليلة من الاعلاميين لا تتجاوز العشرات تحصل على الكثير، لكن اقصد آلاف الصحفيين الذين ساءت احوالهم لدرجة ان كثيرين منهم فقدوا وظائفهم أو يحصلون على مرتباتهم الضئيلة بالتقسيط غير المريح و«بطلوع الروح»!!.

الان وبعد التأمل فى حوادث وتفاصيل ومشاهد الايام الماضية، فمن الواضح ان الموضوع اكبر مما كنا نتخيل.

من الواضح ايضا ان الامر لا يتعلق اساسا بصدام بين الشرطة والصحافة فقط، حتى لو كانت اسبابه موجودة، لكنه صراع بين الحكومة وكل اجهزتها وبين الاعلام بحثا عن ترسيم حدود العلاقة الجديدة.

تريد الحكومة من الصحافة والاعلام العودة إلى حدود ما قبل ٢٥ يناير ٢٠١١، وربما ما قبل ذلك، بحيث، يكون هناك مجرد هامش للحريات، أو صراع الديكة، أو حرية النباح كما قيل فى عقود ماضية. تريد الحكومة اعلاما طيبا مطيعا، يمكنه ان ينتقد وزيرا أو مسئولا أو حتى رئيس وزراء، ومن الممكن انتقاد رئيس الجمهورية، ولكن ليس فى صلب السياسات والتوجهات الاساسية. يمكن الاستدلال على هذا الامر من مؤشرات متعددة ابرزها ما قاله الرئيس السيسى نفسه قبل شهور كثيرة حينما حسد الرئيس الاسبق جمال عبدالناصر على اعلامه فى الخمسينيات والستينيات.

من حق الحكومة ان تحلم بما تشاء، فلا توجد حكومة فى العالم تكون سعيدة بإعلام متحرر ومتمرد على طول الخط، ومن حق الصحافة ان تدافع عن حرياتها بكل ما تستطيع من وسائل سلمية، لانه لا توجد صحافة محترمة ومهنية من دون حد ادنى من الحريات الحقيقية.

ربما يكون من الحكمة بل وانطلاقا من مواقف عملية نفعية ان يجلس الطرفان «الحكومة والصحافة» معا ويتناقشان للوصول إلى صيغة عملية تحقق الحد الاقصى من مطالب الطرفين، وإذا حدث ذلك سيكون الوطن اول الرابحين. اما اعتقاد كل طرف ان المباراة صفرية وانه سيفوز بالضربة القاضية، وسوف يسحق خصمه ويحطمه فقد ثبت عبر تجارب كثيرة سابقة وبما لا يدع مجالا لشك انها مجرد اوهام. يدرك الصحفيون انهم لن يحصلوا على النموذج الغربى فى حريات الاعلام فجأة ومن دوم مقدمات، ولكنهم فى نفس الوقت لن يقبلوا بالنموذج الصينى أو الكورى الشمالي!!.
عماد الدين حسين  كاتب صحفي