الأصل فى عمل الصحفى هو إعلام وإخبار الجماهير بما يحدث ويجرى فى مؤسسات الدولة ودهاليز الحكم، والمعلومات التى يحصل عليها الصحفى من مصادره هى التى تمكن المواطن من ممارسة دوره الرقابى على الحكومات باعتباره السلطة الأعلى فى أى دولة.
والدستور المصرى أقر بـ«ملكية المعلومات والبيانات والوثائق الرسمية للشعب والتزام الدولة بإتاحتها بكافة الاشكال»، كما قرر معاقبة من يححب معلومة أو يقوم بالتضليل بإعطاء معلومات مغلوطة.
إذن ما لم يكن هناك مانع قانونى منصوص عليه فى قانون العقوبات فالأصل هو نشر المعلومات وإتاحتها للقارئ، هذا بالضبط ما قام به زميلنا طارق حافظ المحرر القضائى بجريدة الفجر، عندما تحصل على ملف تعيينات النيابة العامة الأخيرة التى صدر بها قرار جمهورى فى 12 إبريل الماضى.
التحقيق الصحفى الذى نشره طارق فى «الفجر» بتاريخ 20 إبريل كشف عن أسماء أبناء وأقارب قضاة وقيادات أمنية تم تعيينهم فى تلك الدفعة، والأخطر هو وجود ضابط متهم بالتعذيب فى كشوف المعينين، وهو ما تم تداركه من المجلس الأعلى للقضاء فأصدر قرارا بعزل الضابط المذكور وصدق النائب العام على القرار، ووجه أحد أعضاء المجلس التحية والشكر للزميل الذى اجتهد فى إجلاء الحقائق أمام المجلس والرأى العام.
لم يمر 15 يوما حتى فوجئ طارق باستدعاء نيابة أمن الدولة له للتحقيق معه فى شكوى مقدمة ضده من المجلس الأعلى للقضاء، لم يتوقع زميلنا أن يكون موضوع الشكوى التحقيق الذى تلقى عليه التحية من المجلس الموقر، لذلك ذهب إلى مقر النيابة فى التجمع الخامس مع محاميه باعتبارها جلسة «دردشة» ليس أكثر.
«أنت متهم بخدش الرونق العام للمجلس الأعلى للقضاء بقصد النيل من اعتباره وتكدير السلم العام وإلحاق الضرر بالسلطة القضائية عن طريق نشر أخبار كاذبة وتعمد إزعاج ومضايقة الغير بإساءة استعمال أجهزة الاتصالات»، بهذه الاتهامات بدأ المحقق حديثه مع زميلنا فى التحقيق الذى استمر قرابة 15 ساعة بحسب الشهادة التى قدمها الزميل إلى نقابة الصحفيين.
التحقيقات التى لم تتخللها جلسة استراحة كان محورها الرئيسى معرفة المصادر التى أمدت زميلنا بالمستندات الخاصة بالتحقيق الصحفى المنشور أو طبيعتها أو أماكن عملها، كما سأله المحقق عن عناوين وردت فى الملف الصحفى مثل «توريث القضاة» أو«كعكة التعيينات»، لكنها لم تتطرق إلى المتن وما جاء فيه بحسب شهادة الزميل.
طارق تمسك بحقه القانونى فى عدم الإفصاح عن مصادره، وفى النهاية أمر وكيل نيابة أمن الدولة بصرفه بضمان مالى خمسة آلاف جنيه، علما بأن القانون يحظر الحبس الاحتياطى فى قضايا النشر.
تهمة خدش الرونق العام لأى مؤسسة من مؤسسات الدولة لم ترد فى مواد قانون العقوبات، ولو صح ما ذكره الزميل فى شهادته وصدق عليه محاميه فإن وكيل النائب العام الذى حقق معه تجاوز القانون مرتين الأولى عندما اتهمه بجريمة لم ترد فى القانون والثانية عندما أخلى سبيله بكفالة بالمخالفة للقانون.
إذا كان نقل الصحفى لوقائع ما يجرى فى أى مؤسسة من مؤسسات الدولة إلى القارئ هو خدش لرونق تلك المؤسسات فعلى الصحفيين أن يمارسوا حقهم المهنى الذى كلفهم به المواطن صاحب الولاية ويخدشوا رونق كل مؤسسة أيا كانت، وعلى المتضرر أن يحافظ على رونقه باحترام القانون والدستور.