مقال الأسبوع الماضي عن انتحار الطالب الصيني كان له رد فعل صادم بعض الشيء للناس عندنا في مصر وفي الخارج فأحببت في هذا المقال أن أوضح هذا الأمر في الجامعات الأمريكية ونسقط ذلك على حالنا هنا ونرى إن كنا نواجه نفس المشكلة.
أنا لا أملك إحصائيات دقيقة عن أعداد الطلاب الذين يقدمون على الانتحار أثناء الدراسة الجامعية لكني لا أعتقد أنها حالات كثيرة ولكنها موجودة ومن آن لآخر نسمع هنا وهناك عن بعض الحالات الفردية، في حالات كثيرة يفشل الطالب في الإنتحار وفي حالات أقل ينجح، لذلك توجد في أغلب الجامعات الأمريكية مكاتب متخصصة للتعامل مع الحالات النفسية السيئة التي تصيب الطلاب أثناء الدراسة ويطلبون من أي طالب يشعر ولو شعور طفيف بالإكتئاب أو رغبة ولو ضعيفة في إيذاء نفسه بالتواصل مع هذا المكتب لإيجاد حلول، أنا أتكلم عن الجامعات في أمريكا لأنني لم أتعامل بالقدر نفسه مع الجامعات الأوروبية أو الآسيوية.
لننظر إلى نوعين من الطلاب: مرحلة البكالوريوس ومرحلة الدراسات العليا لأن لكل مجموعة منهما أنواع مختلفة من الصعاب والضغوط النفسية، بالنسبة للطلاب في مرحلة البكالوريوس فأغلبهم ينفق على نفسه فتجده يعمل في كافيتيريا مثلاً أثناء دراسته لدفع نفقات يومه ويأخذ سلفة من البنوك لدفع نفقات دراسته وهي باهظة في أغلب الجامعات الأمريكية خاصة المرموقة منها، هذا في حد ذاته ضغط كبير يقع على عاتق الطالب الذي ينام قليلاً ليتمكن من العمل والدراسة التي تتألف عادة من أربع إلى ست مواد دراسية في الفصل الدراسي الواحد، كل ذلك على أمل التخرج بدرجات عالية تسمح له (أو لها) بالعمل في مكان مرموق والحصول على مرتب محترم يدفع الديون ويكفل حياة مرفهة، إذا لم يستطع الطالب الحصول على درجات مرتفعة فبالتالي لن يجد عملاً جيداً وسينتهي بديون مدى الحياة، هذا السيناريو يجعل الطالب يكتئب وقد يقدم على إيذاء نفسه.
في مرحلة الدراسات العليا الأمر مختلف، أغلب الطلاب من الطلاب الأجانب ويأتون إلى أمريكا لدراسة الماجستير أوالدكتوراه، يأتون بفيزا مخصصة للطلبة ويحلمون بوظيفة مرموقة وحياة أفضل بعد التخرج، الأستاذ المشرف له سلطة واسعة هنا، إذا قرر الأستاذ المشرف إنهاء دراسة طالب لأي سبب كان ستكون نتيجة ذلك إلغاء الفيزا وإلغاء المنحة الدراسية و سيضطر الطالب إلى مغادرة البلاد والتخلي عن أحلامه، الأستاذ المشرف هو من يقرر متى سيتخرج الطالب وهو من يكتب خطابات التوصية عندما يبدأ الطالب في البحث عن عمل عند إنتهاء دراساته، بعض الأساتذة (وهم ندرة لحسن الحظ) تسئ استخدام تلك السلطة "وتستعبد" الطلاب بإعطائهم مهام كثيرة في وقت قليل لا يستطيعه بشري أو بإعطائهم مهام خارج نطاق البحث، كل ذلك يتسبب في زيادة الضغط النفسي على الطلاب مما يؤثر على أدائهم وهذا بالتالي يؤثر على علاقتهم بالأستاذ المشرف وتظل هذه الدائرة القاسية تدور حتى يقدم بعض الطلاب على إيذاء أنفسهم.
في حالة الطالب الصيني الذي تكلمنا عنه في المقال السابق كان يعاني الأمرين مع المشرف حسب المعلومات التي أدلى بها أصدقاء الطالب (مازات التحقيقات مستمرة) ولكن القشة التي قسمت ظهر البعير هي المشكلة التي توجد في البحث الذي تم قبوله في المؤتمر عن طريق المجاملة وأصر الأستاذ المشرف على نشره مما جعل الطالب يشعر بتأنيب الضمير ويقدم على الإنتحار، وقد تكلمنا في مقال سابق عن الغش في الحياة العلمية.
إذا نظرنا إلى حالنا في الجامعات المصرية فالوضع أفضل مما نظن، أولاً لوازع ديني وعرفي لا يقدم الشباب عندنا على إيذاء أنفسهم نتيجة لضغوط دراسية (سواء بكالوريوس أو دراسات عليا)، ثانياً لا توجد ضغوط متعلقة بفيزا أو ترحيل لأن أغلب الطلاب عندنا ليسوا من الأجانب في الأغلب الأعم، ثالثاً لا توجد ضغوط مالية لأنه في الجامعات الحكومية مصاريف الدراسة قليلة وفي الجامعات الخاصة تتكفل الأسرة بالمصاريف في أغلب الأحوال.
في هذه النقطة بالذات إحنا أحسن من غيرنا.